تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة، سباقاً مشروعاً بين مختلف إماراتها، في شتى مناحي الحياة الاقتصادية والعمرانية والثقافية والفنية، وإذا كانت الشارقة قد استطاعت بتميز، خلال السنوات الماضية، التأكيد على مكانتها وحضورها الثقافي والفني العربي، انطلاقاً من عشق حاكمها سمو الشيخ سلطان القاسمي للمسرح والتاريخ والثقافة والفن، فلقد أصبح للإمارات الأخرى شأن بارز لا يقل عنها، وصار يُنظر إلى دبي وأبوظبي، كمراكز ثقافية عربية غاية في الأهمية، وغاية في التأثير في نشاط وصورة الساحة الثقافية العربية، بالنظر إلى المشاريع الثقافية، ومشاريع البنى التحتية الثقافية، التي تطرحها كلا الإماراتين، وها هي إمارة عجمان تدخل إلى ميدان السباق الثقافي، متخذة من الرواية عنواناً لشوطها الأول.

Ad

إن ملتقى «شاهندة» للإبداع الروائي، الذي انعقدت جلساته في نهاية الأسبوع الأخير من الشهر الفائت (30 - 31 مارس)، هو الملتقى الأول الذي تنظمه إدارة الثقافة والإعلام في إمارة عجمان، ولقد كرست الإدارة جلسات الملتقى لتدور حول موضوع «المكان في الرواية الخليجي»، شاملة طبيعة المكان: البحر والصحراء والمدينة، ومتطرقة إلى الإنسان، وعلاقة ارتباطه بهذا المكان، وكانت التفاتة وفاء جميلة من الملتقى، أن يتخذ من عنوان أول رواية إماراتية صدرت في منتصف السبعينيات، ونعني بها رواية «شاهندة» لصاحبها وزير الخارجية الإماراتي الأسبق راشد عبدالله النعيمي، عنوانا له.

شارك في ملتقى «شاهندة» مجموعة من المشتغلين بالهم الروائي، إبداعاً ونقداً، في دول مجلس التعاون الخليجي، شكلوا في ما بينهم دائرة ثقافية صغيرة تحلقت حول قضايا الرواية في منطقة الخليج، مما جعل للملتقى نكهة ثقافية خاصة، بعيدة عن صيغة التعميم والتضخيم والبهرجة، وقريبة جداً من صيغة الحوار الحميمي، القائم على الشهادات والأبحاث وتبادل الرأي والاستفادة.

لقد كان لافتاً الاهتمام الكبير الذي أولته الإمارة للملتقى والمشاركين فيه، بدءاً من استقبال سمو الشيخ حميد النعيمي عضو المجلس الأعلى حاكم عجمان لضيوف الملتقى في مكتبه، والتناقش معهم بقضايا الشأن الثقافي، مروراً بحضور الشيخ عمار النعيمي ولي عهد الإمارة لجلسات الملتقى، وتكريمه المشاركين، وانتهاءً بحضور جمهور غفير من المثقفين والمهتمين، قلما تشهد الملتقيات الثقافية في دولة الإمارات مثله.

كرم الملتقى الروائي «إسماعيل فهد إسماعيل» بوصفه رائدا من رواد الرواية في منطقة الخليج، لانه نشر روايته الأولى (كانت السماء زرقاء) عام 1971، تبعها بما يربو على الثلاثين رواية، خلال مدة تجاوزت الثلاثة عقود، وكان في جميع ما كتب ويكتب مهموماً بقضايا وخيبات وآمال الإنسان العربي حيثما كان.

ملتقى شاهندة للإبداع الروائي في دورته الأولى، نجح في وضع حجر الأساس لملتقى روائي خليجي، له طموح كبير ومشروع بالاستمرار، وبأن يكون أحد الملتقيات الروائية الخليجية المهمة، وهو مؤهل لأن يكون كذلك، خصوصا مع جهود أبناء دائرة الثقافة والإعلام المخلصة، ومنهم الأستاذ إبراهيم الظاهري، وكذلك الكاتب ناصر جبران. إضافة إلى جهود الكاتب المبدع عبدالقادر عقيل، الذي بذل جهداً يستحق عليه الشكر والثناء لإنجاح أعمال الملتقى.