لجنة «كويتيون من أجل القدس» أقامت معرضا فنيا وندوة تأبينية في الذكرى الـعشرين لاستشهاد الفنان العربي الفلسطيني ناجي العلي. شارك فيها النائب محمد الصقر الذي سبق له أن رأَس تحرير جريدة «القبس» وعمل مع ناجي العلي حتى آخر لحظة من حياته.

Ad

«ناجي ذلك السهل الممتنع، الوديع الثائر بصمته، استطاع بريشته أن يختزل آلامنا وآمالنا، وأن يعبر عن أحلامنا وتطلعاتنا، في فترة ندرك الآن أنها جزء من عمرنا الجميل، حيث القدرة على الغضب والاعتراض والحزن، وحتى الفرح، زمن ليس كأيامنا هذه حيث توقف الكثير منا عن الحلم أو حتى محاولة التغيير، نتيجة لتراكم الإحباطات، وتغيير الأولويات والمسميات، فما كان إلا رصاصات غدر تنقله عن دنيانا لتسكنه جوانحنا رمزا للإنسان وللطهر القومي».

كان ذلك من كلمة رئيسة لجنة «كويتيون من أجل القدس» السيدة لولوة الملا في الندوة والمعرض الفني اللذين أقامتهما جمعية الخريجين والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية أمس الأول بمناسبة ذكرى مرور 20 عاما على استشهاد الفنان الفلسطيني ناجي العلي. وشارك في الندوة كل من: النائب محمد الصقر، والشاعر والروائي والباحث الفلسطيني محمد الأسعد.

وتحدث النائب محمد الصقر، الذي سبق له أن رأَس تحرير جريدة «القبس» وعمل مع ناجي العلي حتى آخر لحظة من حياته، مؤكدا أن الأخير كان ممثل ضمير الأمة وجبهة الرفض الحقيقية منها، حيث كان صادقا في كل ما كان يحمله من شعور وطني وقومي، يقوم بتجسيده في شخصيته الكاريكاتورية المبدعة «حنظلة». وذكر بحزن «في اليوم الذي أطلق عليه النار، شعرت بأنني من أسباب اغتياله، فقد تماديت معه في الجنون، هو وأحمد مطر بالذات».

طريقة مجنونة

وروى الصقر قصة تعارفه بناجي العلي واصفا إياها بـ«المجنونة» قائلا: تعرفت إلى ناجي بطريقة مجنونة، فقد كان حينها يعمل في صحيفة السفير اللبنانية -بعد تركه الكويت التي عمل في صحيفتيها الطليعة والسياسة- وبعد أن أصبحت رئيسا لتحرير «القبس» بأسبوعين، قدمت عرضا لناجي بالعودة إلى الكويت والعمل في «القبس»، ولم يبد رفضه، لكنني لم استطع الانتظار، لأسافر إلى لبنان في صيف 1982 -وكان يعيش ذروة حربه بعد الاجتياح الإسرائيلي- بحرا من قبرص، وعند وصولي الى بيروت ابلغوني في «السفير» انه تركها ويقطن في مخيم «عين الحلوة». وبذلك اضطررت إلى عبور عشرة حواجز مختلفة، الإسرائيلية منها واللبنانية، فقط لأصل إليه وأحصل على موافقته ووعده بالقدوم إلى الكويت خلال أيام، للعمل في «القبس».

وبين الصقر أن فترة العمل في «القبس» كانت من أهم المراحل التي مرت على حياة ناجي العلي، موضحا أنها -القبس في ذلك الوقت- من الصحف القليلة التي تمادت بشراسة في الدفاع عن قضايا الحريات والمكتسبات الدستورية، وكانت تملك عناصر موهوبة وفعاله تخاطب ضمير الشارع العربي، وبالتالي لم تكن مقبولة من البعض في الكويت وفي الوطن العربي، موضحا ذلك بقوله «كان هناك العديد من القيادات السياسية البارزة، منها ياسر عرفات، أرادت إبعاد أكثر من خمسة عشر محررا من «القبس» ومن الكويت، وعلى رأسهم ناجي وأحمد مطر، ونجاح هذه القيادات في ذلك شكل لي ضربه قاصمة، فقد اتخذت وزارة الداخلية قرارا بإبعاد ناجي، ولم يكن بوسعي إلا أن أخيره بين الدول التي يريد الإقامة فيها، فاختار -مثل زميله أحمد مطر- لندن، وسافرا إليها معا في الطائرة نفسها تحت الإبعاد الجبري. وفي لندن التحق ناجي بالقبس الدولي».

رشيدة مهران

وتحدث الصقر عن اغتيال ناجي قائلا: في صيف 1987 وبعد نشر لوحة «رشيدة مهران»، أخبرني ناجي أن هناك تهديدا من ياسر عرفات باغتياله، لأسافر فورا إلى لندن، وأرتب له الإقامة أياما بعيدا في «غلاسكو»، لكن بعد سفري، عاد ناجي عن قراره، وآثر البقاء، متحديا الموت. وليصلني بعدها بيومين خبر اغتياله، مثيرا في نفسي جزءا كبيرا من الحزن والمسؤولية، وبعد شهر ونصف الشهر، خرجوا ببيان يوجه الاتهام إلى عميل مزدوج فلسطيني، قيل إنه ينتمي إلى «الموساد» و«فتح».

وذكر الصقر انه عاصر الكثير من الصحافيين والرسامين العرب الموهوبين، لكنه يرى أن ناجي العلي من أفضل رسامي الكاريكاتير في العالم، فقد نشرت لوحاته في كبرى الصحف العالمية مثل «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، كذلك «أوبسيرفر» التي وضعت رسوماته على صفحتها الأولى. وقال: أعتقد أن محمد حسنين هيكل وناجي العلي هما أكثر الإعلاميين العرب بروزا في العالم، الأول امتلك الإمكانات الكبيرة، بينما لم يمتلك الثاني سوى ريشته ولوحاته. وتابع «ناجي العلي كان مؤثرا أكثر من أي سياسي فلسطيني، كان مؤثرا على القرار والرأي العام على حد سواء».

بدوره، تحدث الشاعر والروائي والناقد، محمد الأسعد، صديق ناجي المقرب وزميله في «الطليعة» و«السياسة»، عن ثلاث نقاط تدور في فلك معنى فن ناجي العلي، موضحا انه من خلال الواقع المأساوي والثقيل الذي عايشه العرب منذ الستينيات وحتى الثمانينيات، كانت القضية الفلسطينية، حسب تصوره، تمثل على مسرح أطلق عليه «مسرح المسوخ» وبين أن ناجي لم يكن من المشاهدين، بل ترفع بفنه، وأطل، ليكشف حقيقة الممثلين برؤيته الناقدة الممزوجة بالسخرية في آن. موضحا أن نظرة ناجي، تلك، يعللها الواقع الثقيل الذي يواجهه الفنان دائما بمرآته ليكسر حدة المأساة. وقال «أيضا، حتى لا ننخرط في العويل والصياح، فالفنان لا يريد منا البكاء فقط، بل يريد منا أن نفهم وأن نعي وأن نتخذ موقفا. فالسخرية تنبع من الرغبة في كشف المفارقة». وتابع « فمنذ أن التقيت ناجي العلي في السبعينيات، كان لديه الحس البديهي، لم يُخدع بالشعارات العامة والخطابات، وكان يود أن يكشف لنا حقيقة الممثلين في الدرجة الأولى. كان يدرك المصير، ويسخر من هؤلاء، ويجرح كل ما يسمى بالأبقار المقدسة. كان يحررنا بالسخرية والكشف».

«تشويه وتجزئة وتفتيت»

وتحدث الأسعد عن جماعية فن ناجي عندما جمع الوجدان العربي بأكمله في رسوماته، فقد كان عربيا أولا، وإنسانا ثانيا، وبذلك وجدا انتشارا في العالم العربي من محيطه إلى خليجه، وقال «كان ذلك ضد التيار السياسي الشارع، الذي يتجه إلى التجزئة والتفتيت، إلى أن أوصلنا إلى مرحلة نطلق فيها على الصراع الإسرائيلي-العربي، الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني».

وبين الأسعد أنه تم الإعداد لاغتيال ناجي العلي إعلاميا قبل اغتياله جسديا في 1987، فقد تم نشر عدد من المقالات من قبل منظمة التحرير في القاهرة وقبرص، مكرسة فقط لتشويه صورته.

وقد صرح ناجي العلي في لقاء أجرته معه صحيفة «الأزمنة الحديثة» الإماراتية في سنة 1986 عن الضغوط والتهديدات التي يتعرض لها، كما ذكر الأسماء التي تشير إلى انتمائهم إلى منظمة التحرير. كما قال « كانت صحيفة «ميل» البريطانية قد نشرت تحقيقا طويلا في 22 نوفمبر 1987 عن اغتياله، وأظهر تحقيقها الموسع تعاونا مخابراتيا بين منظمة التحرير والموساد».

من جهته شكر خالد ناجي العلي، ابن الشهيد، الحضور على إحياء ذكرى والده، مؤكدا أن اغتياله الجسدي قبل عشرين عاما، لا يعني أبدا اغتيال فكره ونضاله اللذين جسدهما في أعماله التي تُجدد نفسها يوما بعد يوم على الساحتين الفلسطينية والعربية.

وكان المنظمون قد عرضوا فيلما وثائقيا قصيرا يتحدث عن مسيرة ناجي العلي، ويلتمس محيطه وتاريخه بشكل شائق ومبسط.