يأمل أغلب المواطنين في أن تُظهر لنا حكومتنا بعض الجدية في وضع أجندتها لإنقاذ وطن أصبح يئن تحت وطأة التأجيل والتسويف والتعطيل وضياع الفرص ويتطلع ملهوفا إلى فرص التنمية والبناء لمستقبل أبنائه.

Ad

مع نهاية دور الانعقاد الثاني لمجلس الأمة الكويتي، وبعد الصخب السياسي الذي جعل كثيرا من القضايا المستحقة تتراجع وتؤجل، بدأت جميع الأطراف تلتقط نفسا عميقا تتوجه بعده الى العمل المنتج، خاصة الحكومة التي سيكون لديها فسحة من الوقت، وإن كانت محدودة، لترتب خلالها برنامج عملها وأجندتها ولتضمنها أولويات محددة استعداداً للفصل التشريعي المقبل. وضمن هذه الأجندة هناك ولاشك قضايا أثارها المجلس في جلساته الأخيرة وهي بطبيعتها قضايا ملحة تفرض نفسها كأولويات مستحقة أرجأتها الحكومة لأسباب عدة ولفترات طويلة وقد حان الوقت لتناولها ومعالجتها.

ولعل أولى هذه القضايا: هي البدء في تحديد الوجهة الاستراتيجية التي نريدها لدولتنا وكيف نرى الكويت في القادم من السنين هل نريدها مركزاً مالياً أم تجارياً أم خدمياً أم كل هذا، كما يجب أن نحدد هل خيارنا الاعتماد على القطاع العام ودعمه ودعم دولة الرفاه مادامت هناك أموال؟ أم العمل على تقوية القطاع الخاص، وما الكيفية لذلك؟ هل نزيد إنتاجنا من البترول مع ارتفاع الأسعار ونحوله إلى أصل آخر؟ أم نحتفظ به في مكامنه الطبيعية كحق للأجيال القادمة؟... أسئلة كثيرة لا أخال المعنيين في الحكومة سيتولون الإجابة عنها في هذه الأشهر القليلة، ولكنها فرصة لوضع الخطوات الأولى لعمل يجيب عن كل ذلك أو بعضه للقادم من الأيام ضمن أسلوب علمي ومهني ومن قبل المختصين في بلورة هذه التوجهات المستقبلية.

وثاني بنود هذه الأجندة: هو تعزيز تلك الخطوات الجادة التي خطاها مجلس الوزراء في تخصيص ميزانية سخية لتطوير التعليم مع التركيز على مناهجه وطرقه، وليس على متطلباته الشكلية والجمالية، وهنا يجب أن نذكر بالإشادة الخطوة الجريئة لوزيرة التربية السيدة نورية الصبيح بالدفع باستقلالية مركز تطوير التعليم، ولعلها من الخطوات المهمة التي تضمن تصحيح مسيرة التعليم وتؤسس لحيادية التقييم، ومهنية قرارات تطويره.

أما ثالث بنودها: فهو التأكيد على قوة القانون وتفعيل القوانين القائمة والحفاظ على مؤسساته وحمايتها... وبسط سلطة الدولة والمضي في نشاط إزالة التعديات على أملاك الدولة وأراضيها ومرافقها دون خوف أو وجل أو تراجع.

وفي تحديد هذه الأجندة وماهيتها يجب ألايغيب عن الذهن أهمية إظهار الحزم والجدية والتمسك بإعادة ورفض الاقتراحات الشعبية العشوائية، والعبثية أحياناً، والتي يرفعها بعض أعضاء المجلس دون أدنى دراية أو اكتراث لعواقبها كزيادة الكوادر، واسقاط القروض، والتفريط في حقوق الدولة الأخرى، والدفع والتسابق على السياحة العلاجية أو العلاج السياحي، وغيرها من أمور تنهك ميزانية الدولة وتهدر حقوق الأكثرية لإرضاء الأقلية ممن يتمتع نوابهم بالصوت العالي والحظوة والقرب من الحكومة.

كما لايغيب عن الذهن أهمية مراجعة الأداء الحكومي نفسه والاعتراف بالخطأ والتراجع عن كل ما يعطل مسيرة التنمية ويهدر طاقات أفراد المجتمع؛ كالتعديل على قانون العمل الأخير والخاص بعمل المرأة، وكذلك التصدي بحزم لكل تدخل في عمل الأجهزة التنفيذية والتأثير على سير القرارات والتعيينات في هذه الأجهزة من قبل أي طرف، خاصة النواب وواسطاتهم التي لاتنتهي ولا تراعي عدالة وتكافؤ الفرص.

إن التصدي لكل ذلك لهو أهم متطلبات الإصلاح وأكثر بنود أجندته إلحاحاً وهو ماينتظــره أغلب المواطنين الذين يشغلهم الهم العام، حيث يأملون في أن تُظهر لنا حكومتنا، حتى لو تأخرت في ذلك، بعض الجدية في وضع أجندتها والدفع بها وتقديم المستحق منها ليس فقط لإنقاذ وزرائها من وزر المساءلة، ولكن لإنقاذ وطن أصبح يئن تحت وطأة التأجيل والتسويف والتعطيل وضياع الفرص ويتطلع ملهوفا إلى فرص التنمية والبناء لمستقبل أبنائه.