في مقاله المنشور في «الجريدة» بتاريخ 2007/7/5، عبّر د.ساجد العبدلي عن استيائه للضجة التي أثارها قانون عمل المرأة. هذا الاستياء يعبر عنه أيضا العديد من المواطنين المؤيدين لتقنين عمل وحرية المرأة كلما أمكن. يرى د.ساجد أن الموضوع «بسيط» ولا يستحق كل هذا التوتر والضجة، كما يعزو د.ساجد الضجة المثارة حول الموضوع الى عاملين رئيسيين: الأول هو ما أسماه بالخلاف «العبثي» بين الإسلاميين والليبراليين، والثاني هو سوء فهم للنوايا الطيبة لمقدمي الاقتراح واتهامهم بتعزيز «سيطرة المجتمع الذكوري» على المرأة.

Ad

مع احترامي الشديد لوجهة نظر د.ساجد ولحقه في التعبير عن رأيه، إلا أنني أرجو أن يسمح لي بالاختلاف معه وبوصف رؤيته للموضوع بأنها «سطحية وغير موضوعية».

إن وصف الخلاف حول قانون عمل المرأة وكأنه نموذج من النماذج المتكررة للخلافات «العبثية» بين الاسلاميين والليبراليين هو في حقيقة الأمر تهميش للخلافات الفكرية (الجذرية أحيانا) بين الطرفين، ووصفهم وكأنهم أناس تافهون لا يملكون برامج ورؤى تحدد أولوياتهم وكل همهم هو «العناد ومناطحة الطرف الآخر»، وهذا غير صحيح على الاطلاق، مثال على ذلك هو تجمع الـ29 نائباً الذين التفوا حول قضية الدوائر الخمس. إن الخلاف حول قانون عمل المرأة هو خلاف مبدئي، ليس بين إسلاميين وليبراليين، بل هو خلاف مبدأ «الوصاية» بين المؤيدين لمبدأ «الوصاية» على المرأة وبين الرافضين له. إن مبدأ الوصاية على المرأة يتيح لمجموعة من الرجال تحديد معايير السلامة والحماية الخاصة بالمرأة من دون الرجوع لها (وهي صاحبة الشأن)، والتأكد مما اذا كانت صاحبة الشأن تعاني بالفعل الوضع الحالي لقانون العمل أم لا.

إن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل يحق لانسان ما الوصاية على أخيه الانسان (أو أخته الانسان)، إذا كان الاثنان يتمتعان بكامل قواهما العقلية وصحتهما النفسية التي تؤهلهما لاتخاذ القرارات السليمة والمناسبة لظروفهما الخاصة؟ إذا كانت الاجابة بنعم، اذن لماذا لا يحق للمرأة الوصاية على الرجل عندما تجد هي أن قرارات أو ظروف معيشته لا تناسبه وتسبب له الضرر «وإلا حلال عليكم... وحرام على غيركم؟».

إن أصحاب النوايا الحسنة (كما يصفهم د.ساجد) والقلوب الرحيمة في طرحهم لمثل هذا القانون يتجاهلون مصادر «الضرر» الحقيقية التي تعانيها النساء، فما هي نسبة الضرر الذي تتعرض له النساء في مراكز العمل مقابل نسبة الضرر الذي يتعرض له في المنزل؟ أين هم هؤلاء الرجال ذوي النوايا الطيبة عندما تشتكي المواطنات من تعرضهن للاهانة والضرب والاغتصاب والابتزاز من قبل اقربائهن وأولياء أمورهن من الرجال؟ أين هم عندما تُهان كرامة المرأة بالمعاملة غير اللائقة داخل المنزل والبعيد كل البعد عن التعاليم الدينية؟ أين هؤلاء «الرحومين» عندما تتعرض العاملات الوافدات إلى الاغتصاب والتحرش الجنسي من قبل المواطنين الذكور؟ ماذا حدث لتلك النوايا الطيبة والقلوب الرحيمة عندما «يتوسط» أصحابها لحفظ التحقيق في القضايا التي تنتهك فيها اعراض النساء؟

(حتى نواياكم على كيفكم... متى ما شئتوا صارت طيبة وتدافع عن حقوق النساء... ومتى ما شئتوا دستوا في بطون النساء من غير رحمة لحماية اخوانكم من المجرمين).

لماذا لا تمتد رحمة هؤلاء ذوي النوايا الحنسة الى القضايا الحساسة التي تعانيها النساء ويكون سببها هو «تفرعن» الرجال؟ هنالك نسبة لا بأس بها من المشاكل يسببها الرجل في حياة المرأة والتي تطغى بشكل كبير على نسبة المشاكل التي تعانيها المرأة بسبب ظلم قانون العمل. ولماذا يخاف أصحاب القلوب الرحيمة على النساء فقط ويستثنون الرجال؟ فالرجال أيضا قد يتخذون قرارات غير سليمة ويعرضون انفسهم وأسرهم للخطر وبئس المصير. فعلى سبيل المثال يحذر اساتذة علم النفس وعلم الاجتماع وبعض رجال الدين (حت نبح صوتهم) من مغبة الغياب المتكرر للرجل عن المنزل وقضاء معظم أوقاته مع الأصدقاء للترفيه في الدواوين والمقاهي «والجواخير»، أو الحداق أو السفر المتكرر. هذه الظاهرة يتعدى ضررها الرجل نفسه ليشمل أسرته كلها، فهي سبب رئيسي من أسباب التفكك الأسري والطلاق وضياع الأبناء وانحراف سلوكهم. هذه الظاهرة تسبب أيضا ارهاقا نفسيا للمرأة المتضررة، فضلا عن تحملها وحدها أعباء المنزل وتربية الأولاد وتلبية متطلباتهم الدراسية والمعيشية. أين أصحاب «النوايا الطيبة حماة المرأة» من هذه الظاهرة؟ ماذا سيكون موقفهم لو تقدم مجموعة من النواب باقتراح بقانون يأمر فيه أصحاب الدواوين والجواخير والشاليهات والمقاهي بطرد روادها من المتزوجين بعد الساعة العاشرة مع تقنين عدد الساعات المسموح لهم بها بالتسلية الى ساعتين على الأكثر في اليوم، وذلك حفاظاً على حرمة أسرهم ومصالح ابنائهم، على أن يعاقب القانون المخالفين من الرواد وأصحاب العمل بغرامة مالية وحبس مؤقت (بالنظارة). هل يا ترى سوف يقدّر د.ساجد النوايا الحسنة وراء سن هذا القانون ويقف في وجه معارضيه بحجة أنه «بسيط» ولا يستدعي التوتر والضجة؟ هل سيراعي د.ساجد في هذه الحالة الوضع المعقد الذي لا يتحمل أزمات هامشية ويسكت عن موضوع كهذا فيه تعد على حرية إخواننا الرجال؟ (ولّا النساء عندكم طوفة هبيطة كل من هب ودب يتحكم بمصيرهن!).

إن المسألة يا د.ساجد ليست بهذه البساطة، فكيف لنا أن نتقبل ونسكت عن قانون فيه قطع للأرزاق من دون وجه حق ومن دون مبرر منطقي أو موضوعي. فماذا تبقى من مبررات منطقية لهذا القانون إذا استبعدنا عنه عامل حماية المرأة؟ هل هذه حماية أم مجرد «حكارة» وتعزيز لسلطة بعض الرجال الذين لا يروق لهم اعتبار المرأة مخلوقاً مساوياً لهم في الحقوق لها حرية الاختيار كما هي مكفولة لهم. (إذا هذي مو سيطرة... إشلون قايلة السيطرة؟).