الصناديق السيادية غاضبة، ليس من تسرعها في الاستثمار في المصارف الأميركية المتورطة في أزمة الرهن العقاري، ولا من قلة العوائد التي ستجنيها من تلك الاستثمارات مقارنة بالعوائد التي سيحصل عليها غيرها من المستثمرين الذين تأنوا في قرار الاستثمار، بل لأن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يعارض استثمار الصناديق السيادية في المؤسسات الأميركية خوفا من سيطرتها عليها أو استخدامها لأغراض سياسية.

Ad

فبعد أن لبت الصناديق السيادية من دول الخليج وشرق آسيا مثل هيئة استثمار أبوظبي، والهيئة العامة للاستثمار في الكويت ومؤسسة استثمار حكومة سنغافورة، النداء العاجل من المصارف الأميركية التي تكبدت أكبر الخسائر من أزمة الرهن العقاري مثل «ميريل لينش» و«سيتي جروب»، لتنقذها من الانهيار والإفلاس، يأتي عدد من اعضاء مجلس الشيوخ الأميركي ويقول لهذه الصناديق ان أموالها واستثماراتها غير مرحب بها ! بـل ويريد أن يضع قيودا عليها، ويطالبها بالشفافية وكأنها شركات مدرجة في السوق الأميركي!

من حق هذه الصناديق أن تغضب، فكما يقول المثل الكويتي «مع شينه، قوات عينه» أي لا يكفي أنه قـبيح بل ووقـح كذلك، بمعنى: نساعدهم ثم يشتموننا!

الصناديق السيادية هي صناديق تدير ثروات دول لها قوانينها وخصوصيتها، ومن حقها ألا تخبر أحدا باستثماراتها، فهذه الصناديق ليست شركات عامة مدرجة في الأسواق، وإنما صناديق خاصة لجهة واحدة وهي الدولة التي تدير أموالها، وهي الجهة الوحيدة المخولة بالاطلاع على استثمارات هذه الصناديق.

ثم ان الحكومة الأميركية لديها قوانينها التي تحد من استثمار الأجانب في مؤسساتها، وهذه القوانين تم وضعها في نهاية الثمانينيات عندما أرادت الولايات المتحدة الأميركية أن تحد من استثمارات اليابان فيها آنذاك.

وإذا أرادت الحكومة الأميركية أن تقيد أحدا فالأجدر بها أن تقيد مؤسساتها، وتضع لها الضوابط التي تمنعها من التمادي في الإقراض، وخلق مشتقات مالية معقدة تكبدها الخسائر الطائلة، ومن ثم تتركها تسعى وراء المستثمرين الأجانب لإنقاذها بعدما لم تجد أحدا يساندها في أميركا في بداية العام الحالي.

من حق هذه الصناديق أن تغضب، فهي لم تستثمر في المصارف الأميركية إلا بعد أن دعتها تلك المصارف بنفسها، وهذا التعصب الأميركي من استثمار الصناديق السيادية غير مبرر لأن أميركا تدعي بأنها بلـد الرأسمالية الحرة.

من حق هذه الصناديق أن تغضب، ولكن الغضب من غير فعل لا يجدي، فبالإضافة إلى التأني في قرارات الاستثمار المستقبلية في المؤسسات الأميركية، على الصناديق السيادية المطالبة بعوائد أعلى من تلك التي حصلت عليها من استثمارها العاجل في المصارف الأميركية ذات الخسائر الكبرى.

كما أن على هذه الصناديق التي تدير أموال حكوماتها أن تطالب الحكومة الأميركية بعدة مطالب مثل:

1) ان تحترمها وتحترم مواطني الدول التي تمثلها، حيث مازال بعض مواطني دول الخليج لا يمنحون تأشيرات لزيارة الولايات المتحدة الأميركية، والبعض الآخر تساء معاملته هناك.

2) ان تحصل على خدمات مجانية من الحكومة الأميركية مثل خدمات تكنولوجية ومساعدات عسكرية وغيرها، مقابل توفيرها على الحكومة الأميركية المبالغ التي استثمرتها في مؤسساتها الخاسرة.