كتب كثيرون من العرب وغيرهم عن تنظيم القاعدة، لكن قلة منهم كانوا موضوعيين ومؤهلين للخوض في حقل الألغام هذا، ومن هؤلاء القلة كميل الطويل، الذي بذل جهداً كبيراً في تأليف هذا الكتاب الذي غدا مرجعاً لا غنى عنه لكل مختص في شؤون الجماعات الاسلامية.

Ad

يحاول الكاتب على مدى صفحات كتابه الضخم الذي تجاوز الـ400 صفحة أن يروي بأمانة ودقة التاريخ الحقيقي لـ «القاعدة»، وقد نجح في ذلك إلى حد كبير، معتمداً في روايته على عدد هائل من الوثائق، وعلى شهادات مهمة أدلى بها «جهاديون» كانت لهم أدوار أساسية في «القاعدة» أو في إحدى أخواتها، والمقصود بأخواتها الجماعات الجهادية بوجه عام لا سيما «جماعة الجهاد» المصرية، و «الجماعة الإسلامية المسلحة» الجزائرية، و «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية. ويستعرض المؤلف تاريخ علاقات «القاعدة» مع الجماعات الإسلامية المختلفة، لأنه يرى أن تاريخها لا يمكن أن يُفهم ولا أن يُروى بمعزل عن رواية تاريخ «أخواتها» من جماعات الجهاد الأخرى التي نشأت أغلبيتها العظمى مع انتهاء الجهاد الأفغاني في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي. وينطلق في كتابه من بدايات الجهاد العربي في أفغانستان عام 1979، وينتهي في الأعوام الأخيرة التي تلت غزوة مانهاتن، متابعاً أدق التفاصيل في العلاقات القائمة بين هذه الجماعات، ومتنقلاً في سرده ما بين أفغانستان وليبيا والجزائر واليمن ومصر والسودان، وصولاً إلى لبنان. ويرصد الكاتب رصداً دقيقاً تطور تلك الجماعات المتقاربة في فكرها ومنهجها، مركزاً تركيزاً أساسياً على جماعات الجهاد في مصر وليبيا والجزائر، لأن تجاربها أسهمت في تكوين «القاعدة» في صورتها الحالية صورة تقديم قتال الأميركيين «الكفار» أينما وجدوا، على قتال «المرتدين» في الدول العربية. ويرى الطويل أن غزو الاتحاد السوفييتي السابق لأفغانستان هو الذي استثار العواطف العربية والإسلامية، اذ استثمرت الولايات المتحدة هذه العواطف ووظفتها لمصلحتها في صراعها ضد «الدب الأحمر»، وساعدها في ذلك بعض الانظمة العربية، ومع ذلك فقد كانت المشاركة العربية الميدانية قليلة جداً، ولم يتجاوز عدد «المجاهدين العرب» في السنوات الأولى خمسة عشر مقاتلاً، لكن العدد بدأ يزداد زيادة متسارعة في إثر الفتاوى التي اعتبرت الجهاد في أفغانستان فرض عين، وأصبح للعرب تنظيم مع إنشاء «مكتب الخدمات» الذي أشرف عليه الشيخ عبدالله عزام وأسامة بن لادن، ثم صارت للعرب معسكرات ومضافات، ثم جبهة قتالية مستقلة في جاجي عام 1986 حيث انتصروا على الروس بقيادة بن لادن. ثم انبثق تنظيم القاعدة من صيغة «سجل القاعدة» عام 1988 ومن فكرة ترتيب معلومات وافية عن المجاهدين، وسيطرت عليه في الحقبة السودانية (عندما كان بن لادن مقيما في السودان) الأفكار الجهادية التي كان المصريون من روادها بقيادة أيمن الظواهري.

وفي عام 2001 شن التنظيم هجومه على الولايات المتحدة، فانهارت رموز أميركية ثم انهار نظام طالبان وطردت القاعدة من ملاذها الآمن في باكستان، وبذلك حقق بن لادن حلمه في جر أميركا والمسلمين إلى مواجهة عالمية، ولا شك أن بن لادن استفاد من أخطاء أميركا في حربها ضد الإرهاب، واستطاع أن يكسب مزيداً من المتشددين.

تلك هي قصة القاعدة باختصار، أما من أراد أن يطلع على القصة كاملة، فعليه أن يقرأ كتاب الطويل، الذي لا غنى عنه لمن أراد أن يعرف التاريخ الحقيقي لتلك الجماعات الجهادية.