تبقى أسئلة معلقة في مجهول الأيام الباكستانية، بعد فرز الصناديق، أهمها: هل سيتوقف توجيه المسدس من بعيد إلى رأس الرئيس وصدره؟ وهل سيصمد طويلاً تحالف بوتو-مشرف عندما يجلس الطرفان من أجل التقاسم ويتواجهان يومياً في آلية إدارة النظام؟

Ad

كانت ليلة الانتخابات الرئاسية في باكستان أشبه بالأرق الطويل للرئيس مشرف، فإلى جانب شعوره بالمأزق القانوني وتوتره من نتائج تلك الصناديق المغلقة، التي وصفها المراقبون سلفاً بأنها نتائج شبه معروفة ومحسومة إلى حد بعيد، غير أن المجهول هو معرفة نسبة الأصوات، فهي وحدها النسبة التي ظلت غامضة، وعلى الأقل... باكستان، التي عاشت سنوات طويلة حكم الطوارئ والاضطرابات المتواصلة، لم تجرؤ على إعلان ما هو سائد في الانتخابات العربية، إذ كثيراً ما تأتي نتائج انتخابات الرئيس فلكية، إذ تقترب إلى الرقم المطلق. ومع مرور الوقت تناقص قليلاً الرقم، فصار الرئيس يحصل على أقل من 99.9%، فلعل هذا التقليل من النسبة يمنح المراقبين شعوراً مختلفاً، مفاده أن الانتخابات كانت نزيهة والفرز كان نزيهاً، في أجواء اتسمت بالعنف والحناجر الغاضبة واستعراض الدبابات.

ما نراه في الانتخابات الباكستانية مختلفٌ تماماً عن أي بلد آخر في العالم النامي، الذي يسعى إلى تكريس ديموقراطية الدبابة والقوة، ديموقراطية قوانين الطوارئ وانتشار العسكر والشرطة في كل مكان، بهدف حماية الأمن والاستقرار وحماية صناديق الاقتراع السرية! وأصبحت مسألة مكافحة الإرهاب حالة ثابتة وواضحة لحكومة مشرف، الذي ذاق الأمرين في فترة حكمه، فإلى جانب القضية الكشميرية المتأصلة، ولدت مشكلة الإرهاب والتيارات الإسلامية المتشددة، التي كثيراً ما وجهت رصاصها إلى صدره، ولكنها لم تفلح في اصطياده، بينما راحت قوى الأمن تطوق معالم البؤر وخزانات التحريض التي تتخذ من بيوت الله واجهة وستاراً لأفعالها، كما وجدناها أخيراً في المواجهة مع المتحصنين في المسجد الأحمر.

إن مجرد تفكير الجنرال في التخلي عن بدلته سبب له مواجع تلك الليلة، فهي تعكس عنوان الازدواجية العميقة التي يعانيها الرئيس المنتخب، الذي كان ينتظر في السادس من أكتوبر أن يحسم التاريخ وصناديق الاقتراع انتصاره. إذ لا يشعر مشرف بأن حلبة المنافسة شديدة تثير مخاوفه، لاسيما بعد أن تحرك في اتجاه «مغازلة» أنصار بنازير بوتو، محققاً في لعبته التفاوضية نجاحاً كبيراً، لاسيما بعد إلغاء تهم الفساد عن رئيسة الوزراء السابقة.

ومن جهة أخرى، أبدى استعداده لتقاسم السلطة في مجالات عدة والدعوة إلى المصالحة الوطنية، محتفظاً بأهم مفاتيح السلطة والقوة كالجيش والأمن، معتبراً أن مفتاح الاستقرار وضمان البقاء هما جَعْلُ هاتين المؤسستين تحت بصره وفي قبضته المبطنة. لن يهم مشرف مقاطعة التيارات الإسلامية المتشددة وغيرها، مادام هناك جزء من الشرعية أعلن موافقته وقرر المشاركة السياسية، واختار بالاقتراع زعيمه الجديد، الذي سيقود البلاد خمس سنوات مقبلة، ولن تحدث انقلابات سياسية في المواقف خلال هذه الفترة القصيرة، فالجميع حدد موقفه وأعلنه منذ وقت طويل، لاسيما الأحزاب والقوى الفاعلة في الشارع السياسي الباكستاني، فبدت الشوارع والمقار السياسية وأمكنة التجمعات اليومية هائجة وغاضبة، يحاول بعضهم إيقافها بطريقته وبعضهم الآخر يسعى إلى التخريب والبلبلة، فانتخابات عام 2007، جاءت في ظروف مختلفة عن الأعوام السابقة، ولم يهتم المشاركون في الانتخابات بمواقف المقاطعين والممتنعين عن المشاركة، فذلك النهج العدمي الرافض، لا يحقق نتائج ملموسة على الأرض وفي صياغة قرارات تاريخية تهم المواطن الباكستاني. من يجدون في مقاطعة الانتخابات الرئاسية سبيلاً لتوجيه لطمة إلى الرئيس والنظام، ينسون أن الشعب الباكستاني يعاني أوجاعاً مزمنة تتشربها مفاصله ورئته المجتمعية وأخلاقياته، فالفساد ضرب عميقاً ولقمة العيش باتت أرقاً وكابوساً. ولن تخرج البلاد من الأزمات المستفحلة بمجرد ذهاب الناس إلى صناديق الاقتراع، كما أن الحناجر الغاضبة ستبقى تصرخ كل يوم في الشارع وتهتف منددة بحياة الرئيس، فقد باتت لعبة الشارع الباكستاني لعبة سياسية يومية لشعب لا يحسن إلا الخروج إلى التظاهر والاحتجاجات. وسواء تقاسمت بنازير بوتو ومشرف السلطة في ما بينهما أو اختلفا بعد الانتخابات على المحاصصة، وسواء تنازل الرئيس المنتخب عن بعض مواقفه أو ماطل في بعض المهمات بعد فرز الصناديق، فإن ذلك لن يوقف الحناجر عن ترديد أبواقها ولغتها الدامية مع النظام، المسكون بهاجس حالة الطوارئ، حتى إن ارتدى حلة الديموقراطية العرجاء.

تبقى أسئلة معلقة في مجهول الأيام الباكستانية، بعد فرز الصناديق، أهمها: هل سيتوقف توجيه المسدس من بعيد إلى رأس الرئيس وصدره؟ وهل سيصمد طويلاً تحالف بوتو مشرف عندما يجلس الطرفان من أجل التقاسم ويتواجهان يومياً في آلية إدارة النظام؟ وكيف سيضع الطرفان برنامجيهما الأمني والسياسي مع المعارضة الباكستانية ودعوة الجميع إلى المصالحة الوطنية، وإزاء مكافحة الإرهاب وتنظيف باكستان من البؤر الإرهابية بما فيها تنظيم «القاعدة»؟

* كاتب بحريني