يتساءل الكثيرون عن سبب سوء الحالة التي تمر بها البلاد منذ عدة عقود بالرغم من الخيرات التي تنعم بها، فالكل متفق تقريبا على أن هناك فسادا مستشريا في أروقة الدولة ومؤسساتها، والوزارات متخمة بالعمالة الزائدة عن الحاجة وغير المنتجة، والناس تطالب باستمرار بزيادة رواتبها والكل يعاني الإحباط واليأس من الوضع بشكل عام.

Ad

هناك بالطبع العديد من الأسباب التي أدت بنا إلى الوضع الحالي لكن جميعها ترجع في النهاية إلى سبب رئيسي واحد هو عدم وجود قدوة حسنة وحكم رشيد بشكل عام طيلة العقود الماضية. فالشعب الكويتي لم يكن بشكل عام شعبا كسولا وغير منتج قبل أكثر من نصف قرن عندما كان الآباء والأجداد يحفرون في الصخر من أجل لقمة العيش، حتى لو تطلب ذلك السفر عدة شهور بعيدا عن العائلة، في ظل الحر الشديد أو العمل بجميع أنواع الوظائف التي نرفض العمل بها الآن.

ولكن عندما بدأنا نجني خيرات النفط كانت لدينا فرصة ذهبية لاستغلال هذه الثروة أفضل استغلال دون تشجيع الناس على الكسل والاعتماد على الأجانب ليقوموا بالعمل نيابة عنهم، وأتت هذه الفرصة الذهبية مع بداية العمل بالدستور والديموقراطية التي كانت تميزنا عن باقي دول المنطقة وأعطتنا الأفضلية لبداية تنمية حقيقية مبنية على أسس قوية. لكن ما الذي حدث؟ فبدلا من أن تقوم الحكومات المتعاقبة على استغلال هذه الفرصة رأيناها تنشغل بمحاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ومحاولة الانقلاب على الخطأ التاريخي (حسب تصورها) الذي ارتكبه أبو الدستور الأمير الراحل عبدالله السالم.

فعملت هذه الحكومات على تزوير الانتخابات ومن ثم الانقلاب على الدستور مرتين. ولكي تكسب ود الشعب قامت بشراء الولاءات عن طريق الإثراء غير المشروع وإعطاء الهبات العشوائية وتعويد الناس على الكسل بالتوظيف العشوائي حتى صارت الوزارات متخمة بالبطالة المقنعة، وأصبحت مهمتها الرئيسة توظيف المواطنين. وكانت فترتا الانقلاب على الدستور أسوأ الفترات التي مر بها البلد، حيث انتشر الفساد في ظل عدم وجود رقابة نيابية، فأخذت القوى المتنفذة بنهب ما تستطيع من الكعكة وكأننا نعيش في دولة مؤقتة. وكانت الحكومات المتعاقبة طيلة هذه السنوات تسمى بـ«الرشيدة» مع أن الواقع يقول إن الرشد يبعد عنها كبعد عبدلي عن خط وفرة (مع الاعتذار للفنان عبدالحسين عبدالرضا).

ولصرف نظر الناس عن الفساد قامت هذه الحكومات بإشغالهم عن طريق سياسة فرق تسد، فقامت بتخريب الدوائر الانتخابية بطريقة تعزز القبلية والطائفية والطبقية بين أبناء البلد الواحد، وعندما استشرت هذه الأمراض في المجتمع ربع قرن استيقظت السلطة بشكل مفاجئ لتكتشف أن الطوائف والقبائل أصبحت أقوى من الدولة، وما انتصار الفرعيات على الدولة أخيرا وحمل مرشحي القبائل على الأكتاف ليعلنوا انتصارهم المؤزر إلا وجها من أوجه هذه الظاهرة.

ولأن الناس ترى الفساد في المستويات العليا في البلد فمن الطبيعي أن يتشجعوا على خرق القانون، بينما نراهم أشد الناس حرصا على تطبيقه عندما يسافرون إلى الدول الغربية التي لا تفرق بين الصغير والكبير. ومن الطبيعي أن يتشجع الناس على الواسطة والقفز على حقوق الآخرين والمطالبة بزيادة الرواتب بأعلى قدر ممكن وتقديم الولاء العرقي والطائفي على الانتماء الوطني، والتشبث بدواوينهم المخالفة في وقت يرون احتلال الشاليهات (أو القصور) للبحر. إنني أعتقد أن الشعب سيكون مستعدا حتى لدفع ضرائب إذا رأى فعلا حكومة جادة في محاربة الفساد وتطبيق القانون وتحقيق العدالة الاجتماعية في الوظائف والمناصب من دون الحاجة إلى تدخل من أحد، لكن مادامت الحكومة بالدف ضاربة، فشيم أهل الدار الرقص!