أعادت الأوبرا الوطنية الإنكليزية، بقلّة ذوق غير معهودة، إحياء المسرحية الغنائية «كيزمت» التي عُرضت على مسرح برودواي في الخمسينات مظهره بغداد «رمز السعادة على الأرض» موقعاً للمرح على طريقة ألف ليلة وليلة. مسرحية «عرس بغدادي» التي تعرض على مسرح سوهو علاج فاعل ضد غياب الحس الثقافي في الاوبرا الوطنية الانكليزية. لا يعني ذلك أن هذه المسرحية الأولى التي كتبها حسن عبد الرزاق (عالم إحياء عراقي وباحث في جامعة «إمبريال كوليدج لندن» ينهي دراسات ما بعد الدكتوراه) جادّة بل مسرحية مضحكة مبكية يتخللها الهجاء. لا شك في أن توقيتها مناسب ومفيد. سبق أن تناول المسرح قضية اجتياح العراق من جوانب مختلفة، لكنّها المرة الأولى التي تركز فيها مسرحية على آثار الحرب لدى العراقيين المثقفين من الطبقة الوسطى مثل الاطباء والصحافيين والكتّاب الذين اتبعوا الاسلوب الغربي وتنامى لديهم ميل إلى تدخين الماريجوانا وسواها من المحرّمات خلال فترة تدرجهم في إنكلترا وأصبحوا يشعرون براحة أكبر عند ذكر أعمال مارتن أميس بدلاً من ذكر القرآن. المنفى العراقيلا تخضع الشخصية الرئيسية في قصة عبد الرزاق التي يصورها مات راول بحماسة لأي ضوابط: سليم، طبيب عراقيّ مثليّ يعيش في لندن، نشر رواية فاضحة عن علاقة حب بين مثليّين من عرقَين مختلفَين. في بداية المسرحية يعود هذا الرجل المتحرر وغير السوي من المنفى ليستقر في بغداد في أواخر 2004 وهو على وشك بدء حياة زوجية. غير أن العرس، الذي سميت المسرحية على اسمه، لا يكتمل إذ تقوم طائرات الأباتشي الأميركية بإطلاق صاروخ على موكب السيارات بعدما أساءت تفسير الطلقات النارية التي تطلق تعبيراً عن الفرح في حفلات الزفاف العراقية. هكذا تبدو قصة البطل كأنها انتهت، إلا أن المسرحية لم تكشف بعد عن مفاجآتها كافة. مع مروان الغامض وصديق سليم (يؤدي الدور نيتزان شارون) تدخل مسرحية «عرس بغدادي» تبدلات زمنية معقدة ومربكة على طريقة ليزا غولدمان المسرحية، التي تولد حساً متحرّكاً حيويّاً يلقى الاستحسان رغم جو الغموض الذي يلف الحوادث. مع وفاة سليم المفجعة في بغداد، تتابع المسرحية التطرق إلى المجتمع العراقي المنفي في لندن عام 1998 خلال عملية ثعلب الصحراء التمويهية التي قام بها كلينتون. نشاهد مثلثاً من الحب المؤلم بين الصديقين والفاتنة لوما (سيرين سابا) الطبيبة المتدرجة التي رافقها حظها السيئ إلى بلادها وانتهى بها المطاف إلى زواج كارثي. يصبح سليم حاضراً على نحو غير عادي في ذكريات مروان. يرد على صديقه غير المثلي الذي اعترض على إقامة علاقة معه: «أعلم، لكنني ميت الآن... أستطيع قول ما يحلو لي».تشير المسرحية إلى صحوة ضمير سليم. نشعر بمدى تقدّمه. يعمد عبد الرزاق جدلياً إلى الجمع بين السذاجة والخداع المتجليين في عدم مسؤوليته في البداية والبلايا التي بدلت حاله إثر قصف العرس. ثمة أمر يسعنا التأكد منه أنه دعم اجتياح الولايات المتحدة وبريطانيا للعراق كوسيلة عملية للتخلص من طاغية. يمكننا التصديق أيضا أنه يقلل من شأن الوحشية التي تمارس في أبو غريب بحجة أن «أعمالاً أسوأ مورست في ذلك السجن خلال حكم صدام». على نحو مماثل، قد يُعد الوقوع بين أيدي المتمردين حادثة مأسوية. لكن أن تُنقذ بعد ذلك وتُستجوب بطريقة عنيفة على يد الأميركيين فحبكة ممتازة.تتميز هذه المسرحية بتصويرها المفعم بالحركة لمصاعب الحياة وتناقضاتها خلال الحرب في العراق. ثمة مشهد مذهل ومؤثر ومضحك في آن يلتقي فيه مروان بلوما بعد فراق دام ست سنوات. يعنفها بطريقة مبطنة على ارتدائها الحجاب. تعبر هي عن حنينها إلى الحرية التي كانت تنعم بها في لندن. إلا أن مخالفة قواعد اللباس هي آخر ما يفكر فيه طبيب يعمل في مستشفى حيث يشعر بالنشوة كلما سمع صوت آلة كهربائية. إن كاتباً على غراره قد يرفض التعبير عن آلام بلده ويفضل الكتابة على المثلية الجنسية. لكن أحد أصدقائه الصحافيين يخشى أن يُنسى العراق عندما ينسحب الأميركيون. يجسد عبد الرزاق هذه المخاوف والاضطرابات على نحو يسلب الألباب في أول عمل له.
توابل - ثقافات
الوجه الآخر للحرب في مسرحية عرس بغدادي على الخشبة البريطانية
12-08-2007