هذه الحلقات ليست ثمرة حوار ممتد عبر عدة جلسات مع صديقي الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي، بل ثمرة حوارات طويلة، معظمها عفوي، كان خلالها «يبوح» وكنت «أحفظ». حوارات عفوية تطرق فيها إلى تفاصيل كثيرة ورسم معظم الملامح الأساسية في لوحة حياته فلما جاء وقت الحوارات المقصودة لم يكن علينا أن نبدأ البناء من أوله بل أن نستكمل بعض التفاصيل أو نضع لمسة هنا ولمسة هناك. ولا تحسبوها مهمة سهلة، إذ استدعى الأمر جلسات عديدة وساعات طويلة اقتنصتها من جدول «الأبنودي» المزدحم بين سفر وسفر، من شاطئ الخليج العربي إلى تونس ومن احتفالية فنية في قرطاج إلى مولد «سيدي عبد الرحيم» الشعبي في قنا، حتى أمكن في النهاية أن أجمع هذه الباقة من «حكايات البدايات» الأبنودية.في البداية لم يبد «الأبنودي» متحمساً لموضوع الحوارات. قال: لم لا نحدد موضوعا أهم من «البدايات» للحوار حوله؟ قلت: وهل هناك أهم من البدايات؟ إن حياتك عبارة عن سلسلة متواصلة من البدايات، كأنك تولد كل يوم مرة أخرى، أول يوم في الحياة، أول يوم علم، أول يوم عمل، أول حب، أول وظيفة، أول قصيدة، أول أغنية، أول نجاح، أول إخفاق، أول ديوان، أول جائزة، أول سفر، أول لقاء مع عبد الحليم حافظ وغيره من «مجرة» النجوم التي عشت واحدا منها. وافق الأبنودي على إجراء حوارات «استكمال أجزاء الصورة». وافق ربما لأننا صديقان، وربما من باب أن «الحياة تجارب»، أو لأي سبب آخر. المهم أنه وافق، مع احتفاظه بموقفه غير المتحمس. لكن «الحماسة» لم تتأخر كثيرا فمع أول سؤال وأول إجابة كان يتدفق كالشلال، كالنيل الذي كان يفيض هناك في «أبنود» قبل أن يكون هناك سد عالٍ. وليس عجيبا أن الأبنودي يذكر أيام الفيضان هذه بكل الود ويضعها في الموضع الذي يليق بها من تاريخ مصر. وفي الوقت نفسه يعتبر السد العالي «مشروعه» الذي يفاخر به فهو القارئ لتاريخ مصر ـ المكتوب وغير المكتوب ـ بعين محبة وقلب رؤوم والقادر على اكتشاف ما كان في كل حقبة من «فضيلة».مع السؤال الأول والإجابة الأولى كان الأبنودي يتدفق حماسة واكتشف واكتشفت معه كم كانت مبهجة تلك البدايات التي راح يقص حكاياتها. حين سألته عن جده الحاج قنديل قال الأبنودي: «جدي أحد الوجوه المهمة في بداياتي. للبدايات في نفسي، كما في تراثنا الشعبي ونفوس الناس، مكانة مهمة. أظن أن من الصعب نسيان أول مدرسة، أول عمل أدبي قرأته، أول نخلة تسلقتها، أول نهر ألقيت بجسدك فيه، أول غرق، أول نجاح، أول امرأة أحببتها، أول سفر. الحوادث التي تقع لنا إما مقصودة وإما مفاجئة. في «الفجأة» تكمن قدرة الإنسان على التكيف معها وتتبدى شجاعته في إدارة أموره. مهم جدا ألا تخيفنا الأشياء حين تحدث للمرة الأولى في حياتنا. بالنسبة إليّ ما زالت هذه الفكرة تعبث بي وأعبث بها. لا تنتمي البدايات إلى الماضي بل هي حاضرة الآن كما تنتظرني على نواصي الغد». يضيف: «غالبا ما نحتفظ بوهج التجارب الأولى وحرارتها ونتأمل قدرتنا على تطويعها وتحويلها إلى ما يطابق طبائعنا وسلوكياتنا. لو نظر الإنسان خلفه لوجد العشرات بل المئات من الأشياء التي حدثت للمرة الأولى لتصبح بعد ذلك جزءاً منه».يتذكر الأبنودي أنّ جده الحاج قنديل هو بطل المشهد الأول الذي علق في ذاكرته يقول: «في هذا المشهد أرى جدي، وإن كنت لا أذكر تفاصيل ملامحه الآن، وهو يرفعني بيديه عاليا في الهواء، يقذفني إلى الأعلى ثم يتلقفني. ساعتها كنت أعرف وجهه جيدا وعلى صلة وثيقة بتقاطيعه، لكنني الآن لا أذكر إلا أنه كان هناك، من دون تفاصيل». يضيف: «الحاج قنديل هو جدي لأمي وربما كانت صلتي الطيبة به تتعلق بأفعال هذا الرجل وبصفاته: مهابته ومحبته وحنانه. لا أذكر أيّ تفاصيل للمكان في ذلك «المشهد الأول»، فقط «سوباط البيت»، أي ردهته، ورجل يرفعني ويتلقفني وأنا أضحك بعصبية شديدة بين السرور والرعب. لا أذكر أن أحداً كان حولنا، لكنني متأكد أنهم كانوا جميعا موجودين، أقصد أمي وإخوتي وجدتي، وربما أبي».ملامح وتفاصيلكأنه يحاول جمع بقايا صورة ضاعت ملامحها وبقيت بعض التفاصيل في إطارها. يقول الأبنودي: «لا أذكر من تفاصيل «الحاج قنديل» إلا تلك «الكحة المقصودة» التي كان يعلن عبرها قدومه من أول الدرب الطويل الذي كنا نسكنه، فتغلق النساء أبواب الدور وتختبئن وراءها كما عرفت بعد ذلك. كان جدي يعيش في مدينة «السويس» على شاطئ القناة، مع الكثير من أبناء الصعيد، الذين يحتفظون، إلى اليوم، بأصولهم وما زالت السويس تنسبهم قائلة إنهم «قنائية»، من محافظة قنا، أو«سوهاجية»، من محافظة سوهاج وتنسبهم أيضاً إلى قراهم التي جاءوا منها، ثم إلى أصولهم القبلية والعائلية. من هؤلاء كان «الحاج قنديل» الذي لم يكن يعود إلى «أبنود» إلا بعد انقضاء موسم الفاكهة. في المشهد التالي مباشرة، أذكر جدتي «ست أبوها» قادمة من السويس في ملابسها السوداء وهي تنوح بعدما دفنت «الحاج قنديل» الذي رحل عن الدنيا وهو في بلاد الغربة!».يقول الأبنودي: «أذكر أيضا رفاق الحاج قنديل، هؤلاء الأجداد الطيبين، الذين كان يجلس كل واحد منهم أمام بيته، في دفء الشمس شتاء وظل الجدران صيفا، يضفر «الخوص» ليصنع منه «المقاطف» و«القفف» أو يفتل ليف النخل حبالا، منها ما يصلح مقودا للجمل أو للف حول بكرة البئر، ومنها ما يستخدم مطلعا لتسلق النخل. حين يطول صوف النعاج، كان كل منهم يأخذ نعجته إلى حافة النيل ليغسلها، تمهيداً لجز صوفها بيديه المدربتين الماهرتين، ثم يندف الصوف ويحوله بواسطة مغزله البسيط إلى خيوط، تستخدم بعد ذلك في صناعة الملابس للرجال والنساء». يضيف: «كنا نتحلق حول الواحد منهم وهو يضفر خوصه أو يغزل صوفه، ليحكي لنا تاريخ الأجداد وحكايات معطرة بخبرة السنين، حكايات كان لها الأثر الأكبر في تشكيل وعينا وربطنا بأصولنا». أقول للأبنودي: «أعتقد أنك استلهمت صفات جدك وحياته في ديوانك «وجوه على الشط»، خاصة شخصيتي «إبراهيم أبو العيون» و«محمد عبد المولى».يوافق قائلاً: «هما شخصيتان حقيقيتان عرفتهما وعشت معهما (وللحديث المفصل عنهما موضع لاحقا). لكن «الصياغة الفنية» التي قدمتها لكل منهما فيها من «الحاج قنديل»، خصوصا «إبراهيم أبو العيون» الكثير مما أذكره ومما سمعته عن جدي ومما تصورته أيضا عن طفولته وشبابه وحياته. ويتذكر:وف رمضان في المغرب كان زي جميع الوِلديرمح في دروب وتراب أبنود..يعمل م الطين ترانين..مخرومة من الجنبين..الواد يربطها بفتلةويترنها (يلفها) ويدورها..فتدور بين صابعينهويظل يقرب إيدهويبعدهاالترانة تخف..فتلفبيت الحاج قنديليقول الأبنودي: «البيت الذي ولدت فيه وعشت طفولتي والذي لم يبق منه شيء للأسف، هو بيت جدي الحاج قنديل، بمعنى أنه هو الذي بناه، من بداية رسم حدوده وتقسيم أجزائه، إلى حفر بئره وزرع نخله. كان البيت صنعة يده وثمرة جهده وفكره، ومرآة روحه. تشعر وأنت بين جدرانه بشخصيته وبنفسه. هو البيت الذي تجده قائما في أشعاري ومطلا منها من أولها لآخرها، في دواوين: «أحمد سماعين»، «الأرض والعيال»، «جوابات حراجي القط»، بعد التحية والسلام. وهو البيت الذي بنيته بنفسي في فيلم «أغنية الموت» الذي قامت ببطولته سيدة الشاشة فاتن حمامة وكتبت له السيناريو والحوار. كان البيت ـ بيت الحاج قنديل، نموذجا للبيت الصعيدي التقليدي، جدرانه العريضة جدا مبنية بالطوب اللبن (غير المحروق) وسقفه من أنصاف الجذوع وجريد النخل. رغم قيظ الصعيد كان بيتا نسيميا طيب المعشر وقد وصفت «خارطته» في «جوابات حراجي»، حيث تقول فاطنة أحمد عبد الغفار: إحنا بيتنا ديوان.. وسباط.. ومكان الفرن.. والحاصل.. والكرم». وأضيف إلى هذه الخارطة «البئر»، حيث كان لكل بيت في أبنود بئره الخاصة به. في كَرْم (أي مزرعة) النخل الملحق ببيتنا في أبنود حفر «الحاج قنديل» وبنى بئرا. في هذه البئر تعلمت للمرة الأولى أن أنظر إلى الأعماق المظلمة وعرفت معنى الصدى، قبل أن أعرف له اسما. كنت أضع رأسي في فتحتها وأصيح ليرتد إليَّ صوتي. كانت هناك قاعدة للبئر عبارة عن قرص ضخم من خشب «الجميز»، الشجرة التي يملك خشبها قدرة أسطورية على الصمود منقوعا في الماء لعشرات وربما مئات السنين. فهناك آبار حفرت في العصر العثماني، وأخرى أقدم منها حفرت في العصر المملوكي ومازالت صالحة للاستعمال!». يوضح الأبنودي: «هذا القرص من الجميز، الذي نسميه «الخنزيرة»، هو أول ما وضعه «الحاج قنديل» في بئره التي فرغ من حفرها للتو وصعودا منها راح البناؤون يقيمون جدارها الدائري من الآجر الأحمر، تاركين مسافات فارغة، هي مراقي البئر أي درجات سلمه، يفصل بين كل اثنتين منها خطوة، ليسهل النزول إلى البئر والصعود منها. بعد ما تم بناء الجدار، نصب «البكرة» الخشبية ذات الأذرع الثمانية، التي يلف عليها حبل على بكرة ينتهي بدلو هو أداة جلب الماء، يتدلى الحبل ويغطس الدلو في ماء البئر، ثم تلف في الاتجاه العكسي، ليخرج الدلو ممتلئا بالماء فنفرغه ونملؤه مرة ومرات حسب حاجتنا. بعد سنوات طويلة من حفر وبناء بئر «الحاج قنديل»، بل بعد سنوات من اندثارها، وتلف بكرتها ومراقيها، يكتب «جمال الغيطاني» في «أخبار الأدب» كلمة عن «مراقي الأبنودي»، يستلهم فيها ذلك الصعود، العذب والخصيب، للماء والحياة واتساع الرؤية أمام الصاعد من قاع البئر إلى حافتها، يقول: «منذ قصيدته «الكتابة» يرتقي عبد الرحمن الأبنودي مراقي الشعر إلى درجة سامقة، كأنه يشرف على الوجود كافة أو كأنه يوشك أن يفض السر المكنون. شاغله الأكبر المصير ما بين لحظة الميلاد ولحظة الموت. أية محاولة لتفسير «يامنة»، أو «العنكبوتة» أو«الكلاب» أو«النمل» محاولة مستعصية. إننا نوشك فقط على إدراك ما يبوح به وهذا سر من أسرار الشعر الجميل الذي نفتقده كثيرا هذه الأيام ونلقاه بقوة وعمق في قصائد الأبنودي التي تزدهر في بستان الشعر الإنساني».أشير إلى أن قصيدة «الكتابة» كتبت في 1991 والقصائد الأخرى التي أشار إليها الغيطاني تالية لها.نعود إلى بئر الحاج قنديل التي يقول عنها الأبنودي: «كانت البئر تمتلئ أو يقل ماؤها تبعا لحالة «النيل». فهي تمتلئ إلى الحافة في موسم الفيضان ولا يبقى منها إلا القليل في القاع في أيام الجفاف التي نسميها «التحاريق». كنا، نحن الصغار، نستخدم البئر كمزرعة سمكية، نرمي فيها زريعة السمك في يوليو/تموز من كل عام وحين يقل الماء، ننزل البئر لنمسك الأسماك، التي نمت، بعد صراع فريد معها وكنا نلاحظ أن رؤوسها تنمو بشكل كبير لا يتناسب مع حجم أجسامها الصغيرة، خصوصا أن مساحة قاع البئر الضيقة لا تتيح لها أن تنمو بشكل طبيعي».ميراث النخلهذا عن «البئر» أما «كرم النخل» فكان له مع «الحاج قنديل»، قصة تستحق أن تروى. و«كرم النخل»، عموما، معلم مميز للبيت الصعيدي التقليدي، يمكنك أن تلاحظه حتى لو كنت مجرد «عابر سبيل» يمر بالقطار على محطات الصعيد المتتالية. اعلم أن ذلك «الشريط المتصل» من النخيل الذي تصادفه في كثير من القرى، بدءا من «البدرشين»، التي لا تبعد كثيرا عن القاهرة، وحتى نهاية خط الصعيد، ليس إلا كروم النخيل الملحقة بالبيوت والتي تقع داخل الكتلة السكنية في الصعيد وليست مزارع منفصلة.لا يحتاج «كرم النخل» إلى مساحة كبيرة. يكفي أن يكون لديك قيراطان كاللذين امتلكهما «الحاج قنديل» لتزرع فيهما 16 نخلة كما زرع. ثم إن بمقدورك أن تزرع أصنافا من الخضراوات والحبوب والبقول تحت النخل بحيث لا تشغل النخلة من الأرض إلا مساحة تعادل قطر جذعها. عندما يزرع الصعايدة بين النخلات يقولون إنهم «يسوقون الكرم»، كأن النخيل إبل: جمال ونوق وكأنهم يسوقونها إلى مراعيها ومعاطنها. يجعل هذا النمط من الزراعة المزدوجة «الكرم» النموذج الزراعي الأكثر ملاءمة بالنسبة إلى الصعيد عموما، حيث أغلب الملكيات الزراعية صغيرة ومفتتة خصوصاً بالنسبة لأبنود، التي يصفها «الأبنودي» قائلاً: إنها شريط ضيق محصور بين النيل والجبل، لا فرصة لديه في التوسع من أي اتجاه. يقول: «ربما تعبر بقفزة واحدة فوق أرض تمثل ملكية عائلة كاملة في «أبنود» ذلك أن انتقال الملكية بالوراثة عبر أجيال متعاقبة فتتها بين أعداد كبيرة من الورثة. بل إن التفتيت بين عشرات الورثة انتقل من «الأرض» التي ضاقت رقعة المملوك منها، إلى النخل». يضيف الأبنودي: «نتيجة للوراثة من جيل إلى جيل، أصبح بعض النخلات مملوك لأكثر من بيت وموزع بين أكثر من أسرة. على أصحاب النخلة أن ينتظروا حتى ينضج محصولها ليقسموه حسب الحصص والأسهم. ربما كان لا يزيد نصيب بيت كامل أو حقه من النخلة عن حفنة بلح تملأ اليد بالكاد!».عن كرم نخل الحاج قنديل يقول الأبنودي: «لم يشتر الحاج قنديلفسائل النخل ليغرسها، فيجف منها ما يجف ويطرح منها ما يطرح نوعا من البلح، أي بلح والسلام، لكنه اختار نخلاته بنفسه وتذوق بلحها بلسانه قبل أن يزرع النخل وأحس بحلاوته في حلقه. كان «يخطط» للكرم وينضجه على نار هادئة كما فعل مع كل ما في البيت، الذي كان فقيرا بسيطا، لكنه ينم عن رؤية خاصة وذوق رفيع وقدرة بارعة على الاختيار. كانت اختياراته «ثروة» حقيقية تركها لنا في بيته «الفقير» (...)».ويتابع: «كلما وقعت بين يديه بلحة أعجبه طعمها، كان الحاج قنديل يحتفظ بنواتها بعد أن ينظفها جيدا، حتى إذا عاد إلى «كرمه» زرع النواة في الأرض، وتعهدها بالري حتى تنبت ويظهر ساقها الأخضر، فينبش شيئا من التراب الذي يغطيها ويقطع الرباط الأبيض الذي يصل بين شقيها بظفره لأن لو ترك هذا الرباط بدون أن يقطع تصبح النخلة «ذكرا» نحصل منه على حبوب الطلع ولا تصبح أنثى نلقحها بالطلع لتعطينا البلح. زرع «الحاج قنديل» أفضل ما وقع بين يديه من بلح. لم يكن يختار لنفسه فحسب، لكنه كان يختار لنا، لأبنائه ولأحفاده الأنواع والطعوم. زرع 16 نخلة لينقل بها ذوقه إلينا كأنه الحبل السري الواصل بين الأجيال أو كأنه التراث بأغنياته وأساطيره وهو ينتقل من قرن إلى قرن بكامل أبهته». يتذكر الأبنودي: «كانت كل نخلة تحمل شخصية مميزة، لكل واحدة شكلها وطابعها وتفاصيلها وكل واحدة تنتج نوعا مختلفا من البلح ولكل منها اسمها الذي ينطق بصفاتها. خرج 16 اسما إلى الحياة وأنا أنطقها كما تعلمتها من جدتي «ست أبوها»، منها: نخلة «سيدي»، أي نخلة «جدي»، كانت فوق البئر مباشرة ونخلة «الفرن» التي كان بلحها يسقط فوق الفرن بعد أن ينضج، ونخلة «الكلب» القريبة من السور إذ كان الكلب يعتلي هذا السور ليصبح أول من يأكل من بلحها ونخلة «الزنان»، والزنان هو «الدبور»، سميت بهذا الاسم لأنها كانت تفرز عسلا عجيبا، يجتذب إليها أنواع النحل والدبابير، لهذا كنا لا نستطيع الاقتراب منها خوفا من لسع هذه الحشرات المؤلم التي كان يسمع دوي صوتها واضحا في كل وقت». في بيته الريفي في الإسماعيلية زرع الأبنودي، كجده، مجموعة من النخلات. مازلت أذكر لهفته عليها وهو يحاول حمايتها من سوسة النخيل الحمراء المعروفة باسم «إيدز النخيل» لأنها تنتشر بشكل وبائي كالإيدز ولأنها تفتك مثله بالنخلة التي تصيبها ولا تتركها إلا جثة هامدة. كان يحقن النخيل بمحاليل وضعها في زجاجات علقها كما يعلق محلول «الغلوكوز» الطبي ولإتمام التشابه فإن كل زجاجة يخرج منها أنبوب رفيع تم دسه في قلب النخلة ليرويها بما يتقاطر من هذا المحلول العلاجي. كان يملأ الزجاجات ويعلقها ويشرف عليها بنفسه ويراقب النتيجة. عندما يرى ما يدعو إلى التفاؤل يبتسم وعندما يرى جريدا يابسا يهز رأسه وهو يقول بأسى: ما فيش فايدة. كان نخله المريض مأزقا حقيقيا ذكره بمآزق آخر وقع له مع النخل في طفولته وتلك حكاية أخرى من حكايات البدايات، فإلى الحلقة المقبلة.الكرم بتاعنا يا حراجي قيراطينستاشر نخلةوتحت النخل القراطينأنا لو شديت حيليوسقت القراطين.. أيها عوزه..ويكه.. برنجان.. برسيمأبقى نفعتمش بس عشان سديت خانهإنما علشانترجع.. تتفتح الدكانهاهو بدي يبقى لي كلام وحديت وسط الناسح ازرع بِيدِيأنا مش ح احتاجغير الغلة اللي ارميهاوتلات احفان.. كيماويدول قيراطينأنا مش زارعة ستاشر فدان مانجهوح اجيب بَكَره جديده للبيرالأبنودي ـ جوابات الاوسطى حراجي القط العامل في السد العالي إلى زوجته فاطنة أحمد عبد الغفار في جبلاية الفاركنا نشتغل اليوم كلهونفر نلاقي حتة ضلأحلى ما يعمل إنسان في حياته يا ولدييزرع ضلأحلى ما تحسلما الضل اللي زرعته تشوفه مرمي على وشوش الناسمن شجره زارعهامن حيط مبنيالأبنودي ـ وجوه على الشطكان يستنى أدان المغرب تحت الجامععند النادي بتاع الحاج «ابو طالب»واما يحل المغربعم «رفاعي» يأدنيجري مع الأولاد في دروب أبنود:(افطر يا صايمع الكحك العايم..)رمضان قريتنا من غير مدفعالأبنودي ـ وجوه على الشطيكفي ف قريتناعمرك يبقى اتناشر عاملاجل يعاملوك على إنك راجل كامل.. وتماموهناككانوا كل الأولاد رجّالواتعلم عمي براهيمإزاي يرحل في الفجر بست جمالويعدي البحر..ويقطعها رمال وجبال..لاجل يجيب الطَفلالأبنودي ـ وجوه على الشطوادي الحتة يا عبد الرحمن.... هي الحتة اللي انت فيها دي..هي المشمش ده.. وهيه النخل وهي العنبات.. والبيتوهيه عياليوهيه الشجره اللي انت قاعد في ضلتها ديوجنب نباتها دهالأبنودي ـ وجوه على الشط
توابل
الأبنودي يتذكّر ويروي حكايات البدايات 5: كحّة جدي كانت إنذاراً مقصوداً لتدخل النساء دورها وتغلق الأبواب في بئر البيت عرفت معنى الصدى وغموض الأعماق وزرعت السمك
18-09-2007