Ad

ليس الصوم جوعاً أو عطشاً بل هو إمساك عن الأهواء، وسيطرة على الانفعالات، وتوجيه للحاجات. الصيام مسرة وفرح وابتهاج. فلا فحش في القول، ولا غضب على أحد. فالسيطرة على النفس علم، والتصدي للآخرين جهل. والصيام مبادلة الإساءة بالحسنة، والعدوان بالعفو.

إذا كانت الغاية من الصوم تطهير النفس وتخليصها من الذنوب يكون الصوم صدقة عليها وتكفيراً من الذنوب «فتنة الرجل في أهله وماله وجاره، تكفرها الصلاة، والصيام صدقة». الصيام إذن إصلاح للنفس واتقاء من الفتنة، فتنة الأهل، وحب النساء والأولاد أكثر من حب الحق، والسعي وراء المال غاية في ذاته من أجل جمعه طلباً للثراء وليس للإنفاق على النفس والسعي في مصالح الناس، وفتنة الجار والصديق وجماعات الهوى التي تجعل الإنسان يؤثر تقليد الآخرين والتنازل لهم عن متطلبات الوعي الفردي. وإذا ما خرق الصائم صومه نظراً إلى الضعف البشري، وواقع امرأته أثناء النهار فعليه عتق رقبة. فإن لم يستطع أن يخلص نفسه من إسار البدن وأسر الروح فعليه أن يخلص عبداً من إسار الرق. فخلاص الآخر يأتي تعويضاً عن الضعف في خلاص الأنا. فإن لم يستطع تحرير العبيد مباشرة فإنه يصوم شهرين متتابعين تقوية لإرادته بعد أن ضعفت، ومراناً لنفسه على السيطرة على أهواء البشر وانفعالات النهار. ومن لم يستطع الصبر على صوم نهار فإنه يكون في حاجة إلى مزيد من التدريب على السيطرة على النفس. فإن لم يستطع وكان فقيرا لا يملك تحرير رقبة أو ضعيفا لا يقوى على صوم شهرين متتابعين فعليه إطعام الفقراء. وإذا لم يشعر بأن إحدى غايات الصوم هي الإحساس بالجوع فعليه أن ينمي هذا الإحساس بإطعام المساكين، ستين مسكيناً فى يوم واحد أو مسكينا كل يوم على مدى ستين يوماً. فإن لم يستطع وكان فقيراً مسكينا يستحق أن يُطعم وأن يتصدق عليه فإنه يعطي صدقة للتصدق بها على الفقراء والمساكين مساعدة من الآخرين له، ومساعدة منه للآخرين. فإن تصدق بها على نفسه فلا يوجد من هو أفقر منه عرف أن الإسلام به رحيم، وأنه كان به كريم مما قد يولد في نفسه الإحساس بالذنب ومقابلة السماحة بالسماحة، ومكافأة الكرم بالكرم، فتطهر النفس، وتقوي الإرادة، وتعظم المقاومة.

ليس الصوم جوعاً أو عطشاً بل هو إمساك عن الأهواء، وسيطرة على الانفعالات، وتوجيه للحاجات. الصيام مسرة وفرح وابتهاج. فلا فحش في القول، ولا غضب على أحد. فالسيطرة على النفس علم، والتصدى للآخرين جهل. والصيام مبادلة الإساءة بالحسنة، والعدوان بالعفو. وان خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك لأنه يترك طعامه وشرابه من أجل طاعة الله. والله يجزي الحسنة بعشر أمثالها. هذه المعاني كلها هي التى حواها حديث الرسول «الصيام جُنّة فلا يرفُث ولا يجهل. وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم مرتين. والذي نفسى بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي. الصيام لي وأنا أجزي به. والحسنة بعشر أمثالها». وتزيد رواية أخرى «للصائم فرحتان يفرحهما. إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه». فالصيام فرح وبهجة وسرور وليس غماً وكرباً وهماً. يفرح الصائم بعدها بالإفطار أي بالحصول على نتيجة السيطرة على الأهواء والانفعالات والمرور في الامتحان بعد الاجتهاد والمثابرة. كما يفرح في الامتحان النهائي بعد لقاء الله وأداء الواجب وحسن التكليف. الصيام وسيلة للسيطرة على حاجات البدن، الطعام والشراب والنكاح. الصوم بديل عن الزواج للذين لا يجدون نكاحاً وكإشباع بديل للروح. «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». الوضع الأمثل هو الزواج، وهو الإشباع الطبيعى. فإن صعب ذلك نظراً إلى ما يقتضيه من مصاريف تأسيس المنزل وإعداد البيت يكون الصيام بديلاً موقتا عنه، تهذيبا للنفس وتشذيباً للبدن. الطبيعة قبل الصنعة، والإشباع قبل السمو. والصيام أيضا هو صيام عن الرذائل، عن قول الزور والعمل به «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». الصوم صدق مع النفس عن طريق التحكم في حاجات البدن وفي الوقت نفسه صيام عن الرذائل عن طريق التحكم في أهواء النفس والكذب على الحق وشهادة الزور. الصوم إذن مدرسة في الصدق، الصدق مع النفس، والصدق مع الآخرين بعد الصدق مع الله. النفس تعود إلى نفسها، وتنظر في داخلها، وتقوي عالمها، وتعكف على ذاتها فتكتشف التعالي فيها والمفارقة داخلها، التعالي نحو الله، والمفارقة في العالم نحو الآخرين.

* كاتب ومفكر مصري