Ad

مسلسل «طاش ما طاش» هو من أبرز الرموز المعنوية، إذ تحول على مدى أعوام عدة من مجرد مسلسل تلفزيوني إلى مؤسسة اجتماعية وثقافية وسياسية متكاملة، وأصبح بلا شك أقوى جماعة ضغط في المجتمع السعودي، وانسحب تأثيره على المجتمع الخليجي كله.

الرموز العامة في المجتمع نوعان: فردية ومعنوية. الرموز الفردية هم أشخاص في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، يتمتعون بشعبية في مجالاتهم، وباستطاعتهم خلق رأي عام بين قواعدهم الشعبية للضغط باتجاه معين، ولا تختلف عنها المعنوية - وهي موضوعنا اليوم - إلا بكونها ممثلة بمؤسسات أو أحداث لها شعبية، خلقت لنفسها رمزية معنوية باستطاعتها التأثير في قواعدها وقيادتها في أي اتجاه، وذكرت مسرحيات الثمانينيات السياسية كـ «حامي الديار» مثالاً عليها في مقال الخميس الماضي.

أبرز مثال حي على الرموز المعنوية هو مسلسل «طاش ما طاش»، الذي تحول على مدى أعوام عدة من مجرد مسلسل تلفزيوني إلى مؤسسة اجتماعية وثقافية وسياسية متكاملة، وأصبح بلا شك أقوى جماعة ضغط في المجتمع السعودي، وانسحب تأثيره على المجتمع الخليجي كله، وقد تميز المسلسل لطرحه قضايا اجتماعية تعتبر «تابو»، وكان التطرق لها محظوراً رغم واقعيتها، وبنى شعبيته باعتماده على قصص وأفكار يرسلها المواطنون، وفرض احترامه لموضوعيته وعدم إسفافه، وترسخ تأثيره لالتزام القائمين عليه باستمراريته، ولحسن طالعه فقد تزامن ازدهار المسلسل مع تولي قيادة ذات بعد نظر الحكم في السعودية، ارتأت إسناده معنوياً لضمان استمراره رغم ضغوط المؤسسة الدينية.

وثمة سؤالان يطرحان هنا: ما الذي يجعل القيادة السياسية تدعم المسلسل؟ وما الذي يجعل المؤسسة الدينية تمارس شتى أنواع الضغوط التي تصل حتى إلى هدر دم القائمين عليه؟ الإجابة واحدة وهي لإقرارهما برمزيته وقدرته على توجيه الرأي العام، أما الدوافع فتختلف، فالقيادة السياسية استوعبت توافق مشروعها الانفتاحي مع رسالة المسلسل، فاختصرت الطريق على نفسها بتوظيفه لتنفيذ مشروعها، بدلاً من التصادم المباشر مع المؤسسة الدينية وما يشكله هذا التصادم من خطر على القيادة السياسية، في المقابل، المؤسسة الدينية ترى أن دوره في استنارة المجتمع وانفتاحه يهدد وجودها، وقد كان من السهل على القائمين على المسلسل الامتثال للضغوط، إلا أن الإحساس بالمسؤولية الوطنية وتوفر الدعم السياسي كفيلان باستمراره.

لقد حقق «طاش» في أعوام ما لم يستطع تحقيقه السياسيون والمثقفون في عقود، ومع كثرة القنوات الفضائية ووفرة أموال الإنتاج الفني حالياً، فلنسأل أنفسنا: ماذا سيكون الوضع عليه لو كان هناك مسلسل واحد فقط في كل قناة، تحلى بالمسؤولية ولعب دوراً في تنوير المشاهد العربي وتوعيته؟

Dessert

مازال الناس يتذكرون «درب الزلق» بعد ثلاثين عام، وسيتذكرون «طاش» لثلاثين أخرى، ترى من سيتذكر تفاهات داوود وعبدالناصر وحسن وطارق بعد عام واحد؟