اختار المستثمرون يوم الاثنين، الحادي والعشرين من يناير، ليتخلصوا من القدر الاكبر من الاسهم في محافظهم الاستثمارية، وادت عمليات البيع الكبيرة في الاسواق الاسيوية والأوروبية، وفي كل العالم ما عدا أميركا، الى هبوط المؤشرات الرئيسية للاسهم في الاسواق الكبرى الى مستويات لم تشهدها منذ الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. ولان الاسواق الأميركية كانت مغلقة الاثنين، في عطلة ذكرى ميلاد مارتن لوثر كنغ، سيطر الهلع على الاسواق الرئيسية التي عادة ما تسترشد بحركة السوق الأميركية ومؤشراتها.واذا كانت الاسواق الاوروبية بدأت تستعيد بعض عافيتها بمنتصف نهار الثلاثاء، فإن الاسواق الاسيوية انهت اليوم الثاني من الاسبوع متراجعة ايضا، وعلى سبيل المثال فقد المؤشر الرئيسي لبورصة لندن في اقل من يوم ونصف ما يصل الى 10% من قيمته. عمليات البيع الكبيرة للاسهم، واتجاه المستثمرين الى الادوات الاقل مخاطرة مثل السندات السيادية واسواق السلع، بدأت من اسيا التي تفتتح اسواقها تعاملات الاسبوع، وكان طبيعيا ان تقود اسهم البنوك والمؤسسات المالية الهبوط الحاد. فهي أول من أعلم الشركات بحساباتها للربع الاخير من العام الماضي، وقد لونتها بألوان كئيبة ارقام الديون المعدومة المشكوك في تحصيلها نتيجة كارثة القروض العقارية الرديئة في الولايات المتحدة مع انهيار سوق الاخيرة العقاري. كما ان ازمة الانكماش الائتماني العالمية، واستمرار التقييد في قنوات الاقراض جعل معظم تلك الشركات تقلل من توقعاتها بشدة للربع الاول من العام الجاري. وهكذا هبطت اسعار اسهمها.لكن الهبوط الكبير والواسع النطاق في اسواق الاسهم العالمية لا يمكن ارجاعه فقط إلى بيانات ربع سنوية لقطاع من قطاعات الاقتصاد (القطاع المصرفي) مهما كانت محبطة. والواضح ان الاسواق بدأت بالفعل تتصرف على اساس ان التباطؤ الذي يشهده الاقتصاد الأميركي، اكبر اقتصاد في العالم، منذ الصيف الماضي على وشك ان يصبح ركودا اقتصاديا.واذا كان المستثمرون والمتعاملون في اوروبا قدروا ذلك، وتعاملوا على اساس توقعات بركود أميركي من دون خشية كبيرة، فإن المتعاملين في آسيا كانوا حتى قبل ايام غير واثقين من احتمال الركود في الاقتصاد الأميركي. ويبدو الآن ان التوقعات لم تعد ركودا او تباطؤا، بل هناك شبه تأكيد للركود والجدل بشأن مداه ومدته وعمقه.صحيح ان الركود، الذي يقاس عموما بتراجع النمو في الناتج المحلي الاجمالي لربعين متتاليين، لم يتم القطع به بالارقام لكن الاسواق تتحسب بحساسية عالية. والتقديرات حتى الان ان نمو الاقتصاد الأميركي في الربع الاخير لم يزد عما بين 0.8 و1.7%، ويتوقع الا يتجاوز 1% الا قليلا في الربع الاول من 2008. وبالتالي بدأ العالم يعد نفسه لركود قاطرته الاقتصادية، وان كان هناك بعض المتفائلين القلائل الذين يرون انه من الصعب ان ينمو الاقتصاد سلبيا، اي بالسالب عن صفر في المئة.ربما يكون الهبوط الكبير الذي شهدناه على مدى يومين جرس إنذار عاليا للسلطات النقدية لتتدخل في محاولة لوقف منحنى التراجع الاقتصادي. ولا تزال هناك مساحة للتدخل النقدي من البنوك المركزية بخفض أسعار الفائدة، وأولها الاحتياطي الفدرالي الأميركي الذي يعقد اجتماعه في 30 يناير، ويمكن أن يفاجئ الاسواق بخفض الفائدة ليس بنصف نقطة مئوية فحسب، بل ربما حتى بنسبة 0.75%.لكن حتى اذا تعافت الاسواق المالية في ضوء السياسات النقدية المحفزة، فإن خطر الركود يبقى ماثلا، مما سيجعل انتعاش الاسهم اقل من اعادتها الى منحنى الصعود السابق.
اقتصاد
تحليل اقتصادي تراجع مؤشرات الأسهم العالمية: تصحيح دوري أم أزمة طويلة المدى؟
23-01-2008