مع غياب الرقابة الأسرية ووجود أصدقاء السوء، يقع شبابنا في فخ المخدرات، التي لم تعد قضية اجتماعية فحسب، بل باتت مشكلة نفسية وصحية واقتصادية وأخلاقية، وقد كشفت دراسة أعدها الدكتور حمود القشعان وجود مشكلة إدمان في المجتمع الكويتي، واعتبرت الدراسة أن الجهد المبذول لمواجهة هذه المشكلة، سيظل ناقصاً، إذا لم تحدد وتدرس بشكل واضح، العوامل الحقيقية والدوافع الرئيسة التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات. لا تقتصر على دولة دون أخرى مشكلة إدمان المخدرات والمُسكرات، وأصبحت مشكلة تمس أغلب المجتمعات، بصرف النظر عن طبيعة الأحكام والأنظمة التي تسير عليها تلك الدول. وربما يندر وجود مجتمع محصن من شرور المخدرات ومخاطرها أو تأثيرها على شبابه وأبنائه. كما لم تعد مشكلة سلوكية فقط، إنما امتدت آثارها على المستوى الصحي والاقتصادي والسياسي.وتؤكد دراسة ميدانية على عينة من المدمنين الكويتيين بعنوان «لماذا يتجه الشباب الكويتي الى تعاطي المخدرات؟» أعدها الباحث الرئيسي أستاذ كلية العلوم الاجتماعية الدكتور حمود القشعان، بالتعاون مع أستاذ كلية العلوم الاجتماعية الدكتور يعقوب الكندري، أن مشكلة تعاطي المخدرات «ليست مشكلة اجتماعية فحسب، بل باتت مشكلة نفسية وصحية واقتصادية وأخلاقية. الوباء الأخلاقيولاحظت الدراسة أن «الاهتمام الدولي لم يأت من فراغ، وإنما جاء لتزايد وقوع الشباب في شباك المخدرات، الأمر الذي جعل البعض يطلق على هذه الظاهرة «مشكلة الوباء الأخلاقي السلوكي»، وبلغت قيمة المنتج من الأفيون خلال عام 2003 نحو 1183 مليون دولار، وعند تحويله إلى هيرويين ترتفع القيمة لتصل إلى نحو 54990 مليونا، وهذا يصعّب من محاربة انتاج المخدرات، خاصة في الدول التي تشجع على غسل أموال المخدرات وتغض النظر عن زراعة وانتاج المخدرات على اراضيها، وتعتبر تلك الأموال جزءا من اقتصادها القومي، خاصة أن نسبة متعاطي المخدرات داخل أراضيها منخفضة».مشكلة المخدرات بدأت تغزو الكويت بشكل لافت للنظر خلال العقد الماضي، ولعل حجم مشكلة المخدرات والمُسكرات في الكويت، بمقارنة عقد الثمانينيات مع النصف الثاني من عقد التسعينيات، تبين مدى تزايد وتضاعف هذه المشكلة بصورة عامة، وأهمية التعرف على العوامل التي تسهم في اتجاه الشباب الى تعاطي تلك المسكرات والمخدرات. كما تشير الإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية، كجهة مخولة التعامل مع جرائم جلب وتعاطي المخدرات، إلى وجود تنامي سريع في عدد حالات الجلب بغرض الاتجار أو الترويج أو حتى التعاطي، لمرحلة ما قبل الغزو العراقي للكويت، مقارنةً بمرحلة ما بعد الغزو العراقي. ولاحظت الدراسة تضاعف قضايا جلب والاتجار وحيازة وتعاطي المخدرات للسنوات ما بين 1986 إلى 1989، مقارنة بالسنوات 1996 إلى 1999، ففي حين سجلت 22 قضية عام 1986 تضاعفت عشر مرات تقريبا عام 1996، ووصلت إلى 237 قضية، كذلك الحال بالنسبة للاتجار بالمخدرات فتزايدت من 38 قضية إلى 109 قضايا للمرحلة نفسها، بينما كانت القضايا عام 1989 للحيازة وللتعاطي 30 قضية فقط، في حين أصبحت 438 قضية في عام 1999.وأكدت الدراسة على وجود مشكلة إدمان في المجتمع الكويتي، مستشهدة بما أظهرته النشرة الإحصائية لمشكلة المخدرات بإشراف اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، حول عدد مراجعي عيادات الإدمان في مستشفى الطب النفسي، التي أشارت إلى استمرار تنامي مشكلة المخدرات منذ عام 1989، بالرغم من انخفاض عدد الحالات التي تتلقى العلاج عما كانت عليه في أواخر الثمانينيات، إلا أن الواقع يحتم علينا القول بأن فترة التسعينيات شهدت عدم قبول كثير من الحالات من غير الكويتيين، نتيجة للحكم عليهم إما بالسجن أو بالإبعاد، وعليه فإن مشكلة المخدرات تعتبر ظاهرة أشارت إليها إحصاءات مستشفى الطب النفسي ووحدة علاج الإدمان بوضوح، فكان عدد الحالات 1520 حالة فقط في عام 1986، بينما أصبح العدد بعد عشر أعوام 7237 حالة، في حين انخفض العدد عام 1999 إلى 303 مقارنة بـ 9680 عام 1989، وهذه الإحصائية قد لا تشير بدقة الى تزايد حجم متلقي العلاج، لكنها توضح الأعداد الكبيرة للمتعاطين في المجتمع.الطب النفسي وقالت الدراسة: بما أن المجتمع الكويتي أعلن التعبئة العامة للتصدي لمشكلة تزايد سقوط الشباب في شراك المخدرات، سواء بالتوعية الإعلامية المسموعة والمقروءة والمرئية، أو بالمواجهة المؤسسية عن طريق تشكيل لجان تنسيقية لمواجهة ذلك الخطر، وكذلك على مستوى البحث العلمي، عن طريق تسهيل مهمة الباحثين لمناقشة ومعالجة هذه المشكلة، فإن الجهد المبذول يبقى ناقصاً طالما كانت معرفة العوامل الحقيقية والدوافع الرئيسة نحو اتجاه الشباب إلى تعاطي المخدرات لم تحدد وتدرس بشكل واضح، خاصة تلك العوامل التي تتعلق بالشباب أنفسهم الذين وقعوا فريسة الإدمان على المسكرات والمخدرات على حد سواء.المثلث الذهبيولفتت الدراسة الى أن احتلال الكويت موقعا جغرافيا قريبا من دول ما يسمى المثلث الذهبي إيران، باكستان، أفغانستان، ونتيجة للاضطرابات السياسية الداخلية أو الحدودية لتلك الدول، أدى ذلك إلى زيادة انتشار المخدرات بهذه البقعة الجغرافية وإمكان تصديرها إلى الخارج، مشيرة إلى أن زراعة وتصنيع المخدرات في أفغانستان ارتفعت إبان الاحتلال الروسي لأفغانستان منذ عام 1979، كذلك الأمر بالنسبة لباكستان بعد زيادة انتشار المخدرات نتيجة للهجرات الجماعية من الأفغان للأراضي الباكستانية. وتابعت، أنه نتيجة للانفتاح الاقتصادي والتغيرات التي تعيشها المجتمعات المعاصرة في عصر العولمة الذي لاشك قد ترك أثره على الاتجاه نحو تعاطي المخدرات، نتيجة للانفتاح الثقافي والاجتماعي للمجتمع الكويتي، خاصة بعد الاحتلال العراقي الغاشم لدولة الكويت وتغيير التركيبة السكانية عما كانت عليه قبل الغزو العراقي، إضافة إلى الهجرات المتتالية لثقافات مختلفة ومتعاقبة متعددة، فأصبحت الكويت أكثر عرضة للتأثر بما تحمله هذه الثقافات المختلفة. أسباب تعاطي المخدراتورأت الدراسة أن مشكلة المخدرات لا يستطيع الفرد تحديد أبعادها وقصر أسبابها على بعد واحد ومحدد، فهي مشكلة سلوكية صحية اقتصادية اجتماعية مجتمعية، وبناء على ذلك فإن حصر سبب واحد وإرجاعه لاتجاه الشباب نحو التعاطي، يعتبر تحليلا قاصرا. ويرى الباحث نورمان ميلر أنه «لا توجد نظرية واحدة منفردة يمكن اعتمادها وإرجاع تفسير اتجاه الشباب للإدمان قصراً عليها»،وأشارت الدراسة إلى أن البعض أرجع سبب تعاطي الشباب للمخدرات إلى عوامل ذاتية واجتماعية خاصة بالفرد تم ربطها بعامل السن، ومنهم من أكد على المستوى الثقافي، وآخرون أرجعوها الى تأثير الأصدقاء أو السفر للخارج، في حين رأى آخرون أن أسباب الاتجاه للتعاطي ترجع لعوامل محيطة بالفرد كالكوارث والحروب العسكرية التي تدفعه نحو تعاطي المخدرات وترويجها.وركزت الدراسة على أن مرحلة الشباب المبكرة هي المرحلة الانتقالية من حيث التمييز العاطفي والقيمي والمهني، التي من الممكن أن تكون مدعاة للاتجاه نحو استخدام البعض لكثير من التصرفات والسلوكيات غير السوية ومنها التعاطي، إذ تشير إحدى الدراسات المسحية على طلبة الكليات والجامعات الأميركية على عينة قوامها 56 ألف طالب وطالبة أن %85 من الطلبة جرب إما مسكر أو مخدر مرة واحدة على الأقل خلال العام الذي سبق الدراسة، بينما أكد %66 من عينة الدراسة تعاطيهم لمسكر أو مخدر خلال شهر قبل تطبيق الدراسة. تأثير الأصدقاء والديوانياتوأقرت نسبة كبيرة من أفراد عينة مختارة بتأثير الأصدقاء ومجموعة الأقران عليهم، وكشفت أن %92.2 منهم تناول الجرعة الأولى من هذه المواد المخدرة والمسكرة مع الأصدقاء بالمجان. ما يعكس قضيتين أساسيتين: الأولى أن أول جرعة يستخدمها ويتعاطاها الشخص المدمن تكون مع صديق وليس بمفرده، فتعلم المخدر وتعاطيه يكون مصدره الأصدقاء، الأمر الذي يعزز أن الشخص دائماً يبحث عن الآخرين الذين يوافقونه الميول والأهواء والسلوك، وهنا تأتي عملية التأثير حتى في حال عدم الرغبة في التعاطي، ويتولد لديه الشعور بالتجربة للمرة الأولى بعد أن يزين له الصديق ويغريه بجدوى المخدر. الأمر الآخر يتمثل في أن أول ما تم الحصول عليه من مواد مخدرة كانت مجانية من الأصدقاء، وهو يوضح لنا كيف يقوم هذا الصديق بتزيين هذه المادة المخدرة لصديقه، عندما يقوم بشراء هذه المواد ولا يبالي بتوزيعها بين أقرانه بداية حتى يكسب آخرين كي يسلكون السلوك نفسه، كما أن تأثير الأصدقاء يزداد عند قضاء ساعات طويلة معهم، سواء كان في الديوانيات أو في الأحياء المختلفة في المناطق المتعددة أو أثناء السفر، حيث ظهر أن %70.2 من إجمالي العينة كانت تسافر بمفردها مع الأصدقاء. وهنا تزداد فترة التفاعل، ومن ثم تزداد معها فترة التأثر والتأثير، ومن الأسباب الأخرى التي تجعل الشباب يلجأ إلى تعاطي المخدرات كما ذكرت الدراسة، تعاطي الأب للخمر أو المخدرات. ويكون هنالك احتمال كبير عند الابن لتقليد الأب، خاصة إذا ما أدركنا بأن الأب يشكل الرمز الذي يحاول الابن تقليده. برنامج تربوي وتوعويأوصت الدراسة بضرورة وضع استراتيجية تربوية توعوية واضحة المعالم تحاول الإسهام في الحد من هذا الوباء الذي بدأ ينتشر بشكل كبير ويدخل البيوت الآمنة من دون استئذان، وبما أن معظم الفئات المدمنة أو عند تناولها لأول مادة مخدرة أو مسكرة تنحصر في الفئات العمرية الشبابية أو المراهقة، ينبغي إيجاد برنامج تربوي توعوي متكامل ضد هذه المواد ولهذه الفئة بالتحديد. يحتوي على مفاهيم أساسية تعالج هذه الإشكالية، و يغرس قيما مفادها بأن المخدرات والمواد المسكرة مسألة غير مرغوب فيها اجتماعياً ونفسياً، ويوضح بأن الأشخاص المدمنين على هذه الأنواع من المواد هم أشخاص قلة ومنبوذون من بقية أفراد المجتمع، ولا يمارسون حياتهم بالطريقة الطبيعية. والتركيز على أن هذه المواد تسلب حرية الاختيار للفرد، المؤسسات الاجتماعيةوطالبت الدراسة بضرورة التركيز على أن هذه المواد تدمر الصحة وتفسد الحالة الاجتماعية للشخص، من خلال عرض حي واضح وكامل لتأثيراتها الصحية والاجتماعية، وأن يغرس هذا البرنامج ما يسمى بمهارات الرفض، التي تعني بأننا نستطيع أن نقول لا في الأوقات التي يفترض أن نقول فيها لا، وأن تنكر الأمر في الوقت الذي يحتاج فيه الى النكرا، على أن يوجه البرنامج بكثافة إلى فئة المراهقين والشباب، التي أوضحت الدراسة بأنهم الفئة المعرضة للإدمان،ومن خلال هذا البرنامج الذي يفترض أن يوضح بصورة كاملة، تبرز أهمية دور المؤسسات الاجتماعية المختلفة داخل المجتمع. فيبرز هنا دور الأسرة، ودور المشرع، ودور وسائل الإعلام، ودور جمعيات النفع العام المتعددة، وأيضاً دور المؤسسة التربوية. فالأسرة من خلال دورها المهم في مسألة التوجيه والمراقبة، والمشرع من خلال سن القوانين والتشريعات والذي يتمثل بوضع قوانين جادة وصارمة والحزم في تطبيقها، ودور جمعيات النفع العام والمؤسسات الدينية والاجتماعية المتعددة من خلال غرس المفاهيم الحميدة، والتأكيد على الصحبة الصالحة، إضافة إلى تكثيف الحملات الإعلامية وإقرار برامج تربوية واضحة في المؤسسات التربوية وفي كتاب الطالب المدرسي، من خلال ذلك كله، يتكامل هذا البرنامج التربوي.220 مليون مستهلكوبينت الدراسة أن سوء استعمال المخدرات بشكل عام يكلف جمهورية مصر العربية سنوياً مليارات عدة، في حين يباع في الصيدليات السويسرية أكثر من 300 مليون حبه مسكنة في العام الواحد. وفي الولايات المتحدة الأميركية، تشير إحصاءات المكتب الأميركي للمخدرات إلى أن أكثر من نصف مليون أميركي يتعاطون المنومات. ولهذا لا غرابة في التحرك الذي دعت إليه الأمم المتحدة وأجمع عليه ممثلو 150 دولة، تبنوا بالإجماع إعلاناً حددوا فيه استراتيجية مواجهة المخدرات التي يستهلكها أكثر من 220 مليون شخص في العالم، ورصـــــدت على أثره ميزانية قدرها نصف بليون دولار أميركي سنوياً. مجموعة الأقرانحذرت الدراسة مما أسمته «مجموعة الأقران» التي تلعب دوراً مهما وأساسياً في توجيه سلوك الإنسان، في إشارة الى جماعة الأقران والأصدقاء، وهي واحدة من أهم المتغيرات التي تؤثر على سلوك الإنسان وتحدد مساره في ظل غياب الرقابة الأسرية والوازع الديني وارتفاع مستوى الدخل، وانحدار مستوى بعض وسائل الاعلام، وأوضحت الدراسة تأثير هذه الجماعة على الشخص المدمن.
محليات
كيف تستطيع أن تقول لا للمخدرات؟ مطلوب استراتيجية تربوية توعوية لمواجهة الوباء
25-08-2007