تشهد الساحة المهنية في القطاع الأهلي اكتساحاً للمرأة، نظراً لارتفاع مخرجات التعليم من فئة الاناث، يقابله تسرب هائل لموظفات قديمات في أوج عطائهن بسبب قانون التقاعد المبكر، مما يعتبر هدراً للكفاءات وخسارة لسوق العمل ،

في ظل ارتفاع نسبة مساهمة المرأة الكويتية في سوق العمل من 20 % عام 1980 إلى 42 % حتى عام 2007، وتقارب تلك النسبة من المستويات العالمية، حيث بلغت هذه النسبة 37% في اليابان ، و44 % في بريطانيا ، و46 % في اميركا، قامت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بتعديل قانون التقاعد المبكر للمرأة الصادر2001 ، بعد أن تبين لها من خلال الدراسات الإكتوارية المخاطر التي يمكن ان يواجهها النظام التأميني، إلا أن نتائج وانعكاسات هذا القانون على سوق العمل، دلت على وجود خسائر تنموية، نظراً لتقاعد المرأة وهي في اوج عطائها، بعد ان صقلت خبرتها، وبات المجتمع بحاجة اكبر اليها.

Ad

«الجريدة» اطلعت على آخر ما توصلت اليه المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية من نتائج تبين مواطن الضعف والقوة في التقاعد المبكر للمرأة، والخطوات المستقبلية لتدارك المخاطر ، كما تعرفت على آراء بعض الكويتيات المتقاعدات في هذا القانون، والمسار الجديد الذي سلكنه في حياتهن بعد اعتزال الوظيفة الحكومية.

العجز الإكتواري 8 مليارات د.ك

المراقب في مكتب الدراسات والبحوث التأمينية والاكتوارية في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية حمد العليان عزا أسباب التقاعد المبكر للمرأة الكويتية إلى الشروط الميسرة للتقاعد، وإلى سخاء المعاش التقاعدي وكثرة الزيادات، واعتبر ذلك حالة فريدة في العالم، لأن متوسط المعاشات التقاعدية أكبر من متوسط المرتبات، حيث بلغت نسبة المعاش التقاعدي 65 % من آخر مرتب عن أول 15 سنة خدمة وتزداد النسبة بواقع 2 % عن كل سنة .

وأضاف العليان ان قانون التقاعد المبكر للمرأة أغرى النساء بالالتحاق بالعمل من دون الحاجة اليه، وما ارتفاع نسبة البطالة إلا بسبب تزايد الطلبات على التوظيف ومسببات زيادة العجز الاكتواري على التأمينات الاجتماعية، والذي مازال الخبراء الاكتواريون يحذرون منه، فقيمة العجز الاكتواري لصندوق المدنيين العاملين في كل من القطاع الحكومي والنفطي والاهلي قد بلغت 8 مليارات دينار في 31 مارس 2006.

التسرب الأكبر من «التربية»

ولفت العليان الى أن وزارة التربية شهدت أكبر نسبة تسرب من سوق العمل، حيث بلغت 50 % من مجموع المتقاعدات من القطاع الحكومي حتى نهاية عام 2006. مما يدل على وجود خسارة كبيرة لقطاع التعليم من خبرة المعلمات اللاتي يتقاعدن بعد اكتساب الخبرة المطلوبة للعطاء بكفاءة عالية، في حين أن نسبة التقاعد في وزارة الصحة بلغت 15 % من المجموع، بينما توزعت باقي النسبة وهي 35 % على باقي الوزارات والجهات الحكومية الاخرى والقطاعين النفطي والحكومي.

تقاعد المرأة 50 سنة في 2020

وحول المنظور البعيد المدى للسن التقاعدي ذكر العليان أن سن التقاعد سيبلغ 55 سنة للرجال و50 سنة للنساء في عام 2020، وهذا يؤكد بأن نظام التأمينات الاجتماعية في الكويت لايزال متميزاً بشكل واضح حتى مابعد عام 2020 مقارنة بمعظم دول العالم حيث يبلغ متوسط سن التقاعد 60 سنة للرجال و55 سنة للنساء.

وإشارة إلى القانون رقم (1) لسنة 2003 بشأن تحديد سن التقاعد، قال العليان انه خطوة إصلاحية ونتاج تعاون بين السلطتين لمصلحة المجتمع، لافتاً إلى أن القانون ينص على أن العمر المطلوب لتقاعد المرأة ذات الولد أو المتزوجة 40 سنة حتى نهاية 2009، ويزداد تدريجياً ليصل الى سن الـ 50 عاما 2020 ، ويمكن للمرأة ان تتقاعد قبل سن الـ 50 بمعاش منخفض مع بقاء شرط الخدمة وهي ألا تقل عن 15 سنة، موضحاً أن نظام التأمينات الاجتماعية راعى بعض الفئات مستثنياً اياها من شرط السن، كالعاملات في الأعمال الضارة او الخطرة، او اللواتي يرعين ازواجاً أو أولاداً معاقين، كما أعطى النظام الحق في استحقاق المعاش التقاعدي في حالة الوفاة أو العجز أو المرض اياً كان السن أو مدة الخدمة.

خسارة في أوج العطاء

وتطرق العليان الى أهمية مراعاة التنمية الشاملة في ظل التقاعد المبكر للمرأة، موضحاً ان المرأة تمر بثلاث فترات أثناء العمل، هي التدريب ثم اكتساب الخبرة وعند العطاء يغريها القانون بالتقاعد، مما يعتبر خسارة لسوق العمل.

راحة والتفاتة إلى الذات

وفي معرض استفسارنا عما آلت اليه أحوال بعض المتقاعدات، التقينا عائشة السويلم التي استقالت في سن الـ 45 بعد 25 عاماً من العمل في وزارة التخطيط، ولم تجازف بعمل أي مشروع خاص، بل اكتفت بالتفرغ لأمور أسرتها، وقالت: «التقاعد جميل، لأنه منحني فرصة للاهتمام بنفسي وأخذ أقساط من الراحة طالما افتقدتها أيام العمل، وفي الوقت ذاته مزعج، لأنه حد من تفكيري واهتماماتي، وأشعر بأني أصبحت معزولة عن كل ما هو جديد ثقافياً واجتماعياً».

التدريس مهنة طاردة

حصة الفريح تقاعدت بعد خدمة 16 سنة بوزارة التربية، ولم ترغب في عمل أو وظيفة بديلة، مؤكدة : «منذ أن تركت مهنة التدريس، وانا اشعر بأنني ملكة نفسي وأتمتع براحة نفسية وجسدية، وبرأيي فإن المرأة التي تعمل في مجال التدريس يجب ان تتقاعد بعد 10 سنوات من العمل حتى لا ينعكس عملها سلباً على حياتها بشكل عام،لأن التدريس مهنة طاردة».

التقاعد لا يحد الطموح

لطيفة القملاس تقاعدت في سن الـ 40 بعد خدمة 22 سنة في رياض الاطفال بوزارة التربية، وهي في صدد إنجاز مشروع تجاري خاص أسوة بما قامت به صديقاتها اللواتي خضن التجربة وكانت ناجحة، وقالت: «اعطيت ما فيه الكفاية للعمل الحكومي، ومازال عندي الكثير من العطاء، لكن هذه المرة لنفسي ولطموحاتي الخاصة، وأنا أشجع التقاعد المبكر للمرأة في حال انها تريد انجاز مشاريع خاصة، تدر عليها الربح وتمنحها الثقة بالنفس».