في مقدمة أصحاب «العطاءات» المتعددة، يقف الدكتور محمد سليم العوا، فهو فقيه قانوني، له إنجازات لا تتكرر في هذا المجال، وهو أيضا مهتم بالشأن الإسلامي، سواء على مستوى التنظير أو العمل الميداني، إضافة إلى كونه من المشغولين المشتغلين بحقل حقوق الإنسان. في الحوار معه توقف د. العوا عند أهمية استمرار الحوار مع الآخر مع ضرورة أن تكون لنا المبادرة في جدول الأعمال وأن مسألة الحوار مع الآخر مسألة قديمة بدأت منذ نشأة الدولة الإسلامية، كما يرى أن مواجهة العولمة تتأتى بإعداد المسلم وتحصينه بثقافة الأمة وخصوصيتها الحضارية كما يرفض دعاوى فصل الدين عن الدولة، ويعتقد أننا قبل غيرنا خلطنا بين التدين الصحيح وبين التطرف والإرهاب وتفاصيل أخرى في الحوار التالي:• لماذا فشل الحوار مع الغرب رغم محاولات الأزهر وأخيرا وزارة الأوقاف، فهل ترون قصورا في برنامجهم مثلا؟- الحوار لابد أن يستمر لأن جدواه ليست تغييرا على الواقع وإنما تغيير في المشاعر والأفكار وهذه مهمة جدا لا نستغني عنها. ودعنا نستمر في الحوار وإن لم تتغير الأرض لكن لابد من تغيير النفوس. أما عن التقصير في جولات الحوار الماضية فملاحظاتنا كثيرة فمثلا: اعتمدنا على غيرنا في أن يضع جدول الأعمال وأن يقدم الأوراق وأن تكون له المبادرة فلم نقدم نحن ولا مرة المبادرة ولا وضعنا جدول الأعمال، نحن فقط نناقش ما يملونه علينا، كما أن المتابعة انتفت تماما وكنا نناقش جدول الأعمال ونتفق على أشياء في الجلسات ثم لا نجد المتابعة وكأن شيئا لم يكن. فنحن نحتاج إلى تعويض هذا كله في أي جولات قادمة.• هناك تخوف من التعامل مع الآخر والبعض يرفض فكرة الحوار من الأساس، كيف إذاً نتعامل مع الفكر الوافد بأسلوب يحفظ للأمة ذاتيتها وخصائصها الحضارية؟- الذي يدخل في نطاق المعقول الآن هو أن تصنع الأمة لنفسها منهجاً للتفكير ومنهجاً لبناء الإنسان يجعله محصناً ضد ما يفد إليه من أفكار قد يكون بعضها ضاراً أو ضالاً أو يغير وجدانه أو يتنافى مع مقومات ثقافته الذاتية، وفي الوقت نفسه يمكن لهذا الإنسان أن يكون قادراً على الاستفادة من النافع والمفيد من بين هذه الأفكار.• ألم نستفد من الخبرة التاريخية في التعامل مع الآخر عبر تاريخنا الإسلامي في عصوره الزاهية في مسألة التعامل مع الفكر الوافد؟- لاشك أن مسألة التعامل مع الآخر مسألة قديمة بدأت منذ نشأة الدولة الإسلامية، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) تعامل مع الآخر أولاً بدعوته إلى الإسلام، ثم جاء تعامل أصحابه مع الفكر الوافد بأخذ كل نافع وترك كل ضار، فعلى هذا النهج صار سلفنا الصالح. ونحن بدورنا نأخذ التطور الذي وصل إليه العلم في كل بقعة من بقاع الأرض، وفي جميع المجالات ونعرضه على معيارية الإسلام الخالد ليمر على مستويين، المستوى الأول: هو ما أحله الله وما حرمه، فإذا خرج عن نطاق المحرمات نعرضه على المستوى الثاني في هذا المعيار «المفسدة والمصلحة» فإذا كان هذا التطور أو ذلك الفكر فيه مصلحة أخذناه، وإذا كان فيه مفسدة تركناه، وهذا المعيار لا يحتاج إلى تجديد ولا يخضع لإعادة نظر، لأن هذا المعيار بقدر ما يتفق مع نصوص الدين فإنه أيضاً يتفق مع الرأي السليم.• من يحدد الضار والنافع من الأفكار الوافدة؟ وبأي معيار؟- التغلب على هذه المشكلات يتأتى بإعداد المسلم وتحصينه بثقافة الأمة وخصوصيتها الحضارية التي تمثل البوصلة الحقيقية أمامه في كل هذه الأمور، ولكن للأسف الشديد لا نصنع شيئاً لإعداد الإنسان على هذا النحو، بل على العكس فنحن في الوقت الذي تحيط بنا الدعاوى والهجمات التي تشير إلى أمتنا على أنها (العدو البديل)، نجرد الإنسان عندنا من أسلحة المواجهة وهي التدين.• الغلو والتطرف تهمتان تواجهان العالم الإسلامي لدى الغرب، بم تفسر ذلك؟!- للأسف نحن أيضا قبل غيرنا نفعل ذلك عندما يخلط البعض عندنا بين التدين والتطرف والإرهاب، فالبعض يغالي في هذا الأمر لدرجة أن هناك الذي يصف من يصلي الفروض الخمسة بأنه متطرف وفي كثير من البلاد العربية والإسلامية ينظر البعض إلى مثل هذا التدين نظرة فيها شك!! بينما ينبغي أن يكون التدين هو السلاح الأول الذي نواجه به هذا الغزو الفكري والإرهاب والعنف.كذلك بناء المنهج الفكري الإنساني لا يمكن أن يتم بمعزل عن المعتقدات الدينية التي تمثل الأسس الثابتة في ثقافة الأمة، ورغم أن هذه الحقيقة معروفة في كل ثقافات العالم فإننا نجد في المجتمعات الإسلامية المعاصرة من يزعم بأن هناك فصلاً بين الثقافة والدين، أو بين الإبداع والدين، وردنا على هذا القول هو أن الإبداع الذي يتنافى مع قيم الأمة ومعتقداتها يعد إسفافاً وليس إبداعاً .. كما أن القول بأن الإنتاج الثقافي يمكن أن يتنافى مع قواعد الحلال والحرام هو كلام زائف وغير صحيح.• هناك دعاوى فصل الدين عن الدولة من منظور أن الحضارة الغربية وصلت إلى ما وصلت إليه الآن لأنها انفصلت عن الدين وتبنت المنهج العلماني؟- هذا كلام مغلوط، وسأضرب مثلاً يعد أحد رموز المادية رقم واحد في العالم اليوم وهو الدولار الأميركي حيث نجد أنه مكتوب عليه «نحن نثق في الله» فهذه الحضارة النفعية (البراغماتية) لا تستطيع أن تفصل بين مقوم ماديتها وهو الدولار وبين ثقتها في الله، وهناك العديد من الأحداث التي كان للإيمان بالدين دوره في مجرياتها، بل نجد أن عامل الدين وراء الكثير من القرارات السياسية والاقتصادية الدولية، فكيف نفصل ثقافتنا عن ديننا؟!• العولمة و الثقافات الوافدة إلينا من الغرب خطر يمكن أن يؤثر في وجدان الأمة، كيف تفسر الأمر؟- مصير أي ثقافة مستوردة في بلادنا الإسلامية هو مصير النظريات الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية التي طبقت بالفعل في بعض البلاد الإسلامية وباءت بالفشل ولم تستقطب إلا أفراداً معدودين ينتمون إلى هذا الفكر أو ذاك ولكنها لم تؤثر في مجموع الأمة لأنها خرجت عن المجرى الرئيسي لنهر الحياة في بلادنا وهو الدين. فالناس في مجتمعاتنا سوف تعطي ظهرها للنهر الذي يجري فيه الماء من منبع لا يتفق مع دينها وموروثها.• التعصب المذهبي إشكالية تخيّم على مجتمعاتنا الإسلامية في الحقبة الأخيرة، ما العمل لإخماد تلك الفتنة؟- التعصب المذهبي بدأ في منتصف القرن السابع الهجري، أي بعد أن مرت الأمة الإسلامية بمرحلة الانتشار العظيم عسكرياً وسياسياً، والتطور الهائل علمياً الذي أسس في مدارس فقهية، يمكن أن أقول إنها كانت غير محصورة.وقد كان العالم الإسلامي في القرون الستة والنصف الأول من القرن السابع مفتوحاً، وكان العلم ينتشر فيه بلا حرج، وكان الخلاف المذهبي يقع فيه بلا حرج، بل حتى مع بداية فترة الضعف؛ فالتعصب بدأ بعد قرنين من شيوع مقولة إغلاق باب الاجتهاد، في منتصف القرن الرابع الهجري، واحتاج الأمر إلى قرنين من الزمان لكي يتعصب الناس نحو مذاهبهم، ولكي يلتف كل فريق نحو قول إمامه، ولكي يترسخ التقليد.وأعني بالتقليد هنا العصبية المذهبية التي تخطّئ الآخر، بعد التخطئة يصل الإنسان عادة إلى مرحلة أكبر فيقول: هذا ليس خطأ فقط، هذا مخالفة للقرآن، بعد المخالفة للقرآن يصل إلى التكفير والتفسيق والتبديع وتبدأ المشكلة، هذا احتاج إلى قرنين من الزمان حتى وصل إلى التعصب، فلم يعرف العالم الإسلامي التعصب قبل نهاية القرن السادس وبداية القرن السابع، ودليل هذا ما وقع بين السنة أنفسهم في المسائل التي أثارها ابن تيمية مثلاً، وابن تيمية له مسائل في العلم، كما يقول الحافظ الذهبي، طُرِد من أرضه بشأنها، وله آراء لا يوافق عليها جمهور المسلمين وله آراء اضطهد من أجلها اضطهاداً شديداً وسجن بسبب أقوال بسيطة في الفقه، وجرى هذا في كل المذاهب ليس فقط في مذاهب أهل السنة والجماعة، ولا مذهب الشيعة الإمامية، ففي كل المذاهب موجود، والتعصب لم يصب العلماء الكبار وإنما أصاب العامة والصغار المقلدين، بل إن الكبار ظلوا على وعيهم، فاستمدادهم من نفس المنبع، هذا من القرآن وأنا مع القرآن وهذا من السنة وأنا مع السنة، فالاختلاف في تفسيق هذا الراوي وتجريح هذا الراوي يقع بين كل الناس.• شيوع التعصب بين أتباع المذاهب ألا يشكل خطرا على مستقبل الأمة الإسلامية؟- بالتأكيد، ولعلّ أهم أثر من آثار التعصب المذهبي في المجتمعات الإسلامية أننا أصبحنا لا يحتمل بعضنا بعضاً، أصبح الشيعي لا يحتمل السني، وأصبح السني لا يحتمل الشيعي... وشاع على ألسنة صغار القوم من أصحاب العمائم والعباءات واللحى، الذين يتزيون بزي المشايخ، شتم كل من الفريقين للآخر، أصبح السني يشتم الشيعي والشيعي يشتم السني، وجرى التطاول على الصحابة الكرام من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) ورميهم بالفسق والكفر، وغير ذلك مما لا يجوز رمي المسلم به، فالتكفير أمر خطير جداً، ومع ذلك يقع بعض الناس من صغار العلماء وصغار الشيوخ وطلاب العلم في هذا القول.•أقباط ومسلمون ثم شيعة وسنة، ومؤخرا الحجاب أو لا حجاب... لماذا تثار الآن هذه القضايا؟! - هناك من يقوم بعمل دائب لتضخيم القضايا الفرعية، وإطلاق الفرقة الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية في مصر، وفي هذه القضية سمعنا فرقة جديدة هي المثقفون والمتدينون، كأن المتدينين غير مثقفين، والمثقفون غير متدينين.المتدينون مثقفون، والمثقفون كثير منهم متدين تدينا حقيقيا، وإن يخطئ المثقف أو المتدين في مسألة ثقافية أو دينية، فهذا أمر يقتضي التصويب والتصحيح، ولا يقتضي التخوين، والمسألة كلها داخلة في إطار الفرعيات التي يقصد بها تلهيتنا عن الكيان.
توابل
الدكتور محمد سليم العوا لـ الجريدة: الحوار مع الغرب فشل لأننا ننتظر أجندتهم ولم نبادر بجدول الأعمال مطلقاً
07-10-2007