تأليف: يونغ تشانغ وجون هوليداي

عن «دار النهار»،

Ad

في كتاب «ماوتسي تونغ: القصة المجهولة» ليونغ تشانغ وجون هوليداي، الذي نقلتاه عن الانكليزية نولا شرفان وأوديت نحاس ينيّه ووحدّت المصطلح فيه أوديت نحاس ينيّه وراجعه سليمان بختي، ردّ اعتبار وتحية وتقدير لصانع الصين الحديثة وناقلها من العبودية الى الحرية. في البدء سيرته: ولد في 26-12-1893 وفي الثالثة عشرة تحوّل لفترة قصيرة الى مهنة الزراعة ثم عاد الى عالم الكتب وتزوّج وهو في الرابعة عشرة من ابنة عمه في الثامنة عشرة، لكنها توفيت بعد عامين فغادر ماو أهله والتحق بمدرسة حديثة جسّدت له الانفتاح على الفوضوية والقومية والماركسية. في 1918 أنهى علومه في مدرسة معلّمين وتوجّه من الريف الى العاصمة بكين وكانت آنذاك من أجمل مدن الدنيا. هناك كان أمين مكتبة براتب زهيد، وفي 1919 عاد الى الريف معلماً وأعلن عن أفكاره الراديكالية في «مجلة نهر كزيانغ» الصادرة في مقاطعة تشانغشا. ومع دعوة الكومنترن في موسكو عام 1920 الى الثورة في الصين انضمّ ماو الى الحزب الشيوعي وكانت فتحت مكتبة لمنشورات الحزب وأدبياته بتوكيل من البروفسور تشن الذي أدخل ماو الى دنيا الماركسية. في هذه الأثناء أحب ماو صبية في التاسعة عشرة هي ابنة معلّمه السابق ثم اقترن بها. وفجأة أصبح ماو المفوّض لفرع الحزب الشيوعي الصيني ونقله حماسته لموسكو إلى مركز قيادي في الحزب الشيوعي الصيني، ثم اتهم بالانتهازية فأُقصي عن الحزب لزمن وعاد بعد فترة فنشط في صفوف الفلاحين. ولما ضلعت موسكو في أعمال تخريبية هدفها تقويض النظام في بكين أعطى قائد الجيش القومي شيانغ كاي شيك أوامره بتطهير الحزب القومي من النفوذ الشيوعي وأصدر لائحة تتضمّن 197 اسماً لشيوعيين مطلوبين وبينهم ماو تسي تونغ. في الأثناء كان ستالين برز الزعيم الأول في الكرملين وكان يملي شخصياً سياسته على الصين، وتجلّى ردّ فعله على انفصال شيانغ باصداره الأوامر الى الحزب الشيوعي الصيني بإنشاء جيشه من دون أي تاخير وباحتلال المزيد من الأراضي بغية إخضاع الصين بقوّة السلاح على المدى الطويل.

السرد الممتع

على هذا النوع من السرد الممتع يروي لنا تشانغ وهوليداي القصة المجهولة للرئيس الصيني ماوتسي تونغ، فكل مرحلة مقدّمة لأختها. قضت الخطة المباشرة المرسومة في موسكو بانتقال الوحدات الشيوعية المنسحبة من الجيش القومي الى الساحل الجنوبي لتسلّم الأسلحة المرسلة من روسيا واقامة قاعدة هناك، وفي الوقت نفسه تمّ تنظيم ثورات الفلاّحين في هونان وفي ثلاثة أقاليم متاخمة لها حيث توجد منظمات للفلاحين المقاتلين تهدف الى الاستيلاء على السلطة في هذه المناطق. وافق ماو على الخطة العسكرية وأعلن في اجتماع حزبي طارئ في 7 أغسطس 1927 ان السلطة السياسية تنبع من فوهة البندقية، ثم قاد ثورة «حصاد الخريف» الفلاحية، وعاش ماو وجنوده من خلال القيام بهجمات على المقاطعات المجاورة، لكنه كسب تأييد الفقراء فكان ماو مناسباً لأهداف ستالين إذ كان يملك جيشاً وقاعدة. في الأثناء كان تشو إن لاي الدعامة الأساسية للقيادة الحزبية في شانغهاي.

ويمضي الكاتبان في رواية السيرة المجهولة لباني الصين الحديثة. فما ان شكّل تشيانغ كاي شيك حكومة قومية في 1928 حتى بدأت موسكو تدرس مسألة اقامة دولية شيوعية في الصين. توجّه تشو إن لاي الى موسكو ومعه تقرير يفيد بأن الجيش الأحمر الصيني قوامه 627000 عنصر. أما ماو فكان يحقّق نصراً إثر آخر. وبين 1929 و1931 تمكن ماو من مدّ نفوذ جيشه على اراضٍ جديدة والتفت الى تطهير العسكر من المناوئين له، فيما أدّت قساوة ماو الى بروز سياسة فاعلة معادية لغريمه تشيانغ وتقضي باستدراج العدو ليتوغّل في المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الأحمر وبتوجيه الضربة الى العدو عندما يكون مُنهكاً. ومع الوقت أسّس دولته الشيوعية.

تصفية حسابات

يحلو للكاتبين ان ينعتا ماو بلصّ تارة ومثير للمتاعب تارة أخرى، وبالطبع التقليل من قيادته الحكيمة، فيحوّلان مقاطع كثيرة من «القصة المجهولة» الى تصفية حسابات معه، ولا عجب فهما ممعنان في الليبرالية الغربية التي تأبى أن يدوس على ذنبها أحد، ولو أخفقت، كما في العراق اليوم، أو في فلسطين أمس.

ثمّ كان الحلف المقدّس بين ماو ونصيره لين بيار فالزحف الطويل والنصر إثر النصر على جحافل تشيانغ. ثم حقّق ماو تقدماً حاسماً حين أصبح عضواً في الأمانة العامة للحزب فوثّق علاقته بموسكو. وفي أيلول 1936 صادق ستالين على خطّة لشحن كميّة كبيرة من الأسلحة الى الحزب الشيوعي الصيني عبر منغوليا، بما في ذلك مساعدة شهرية بقيمة ثلاثة ملايين دولار. ثم حدث ما لم يكن بالحسبان: خُطف تشيانغ.

لكن ستالين عارض قتله كما رغب ماو. ولما أُطلق سراح تشيانغ بدا واضحاً أن ماو يمسك بمفاتيح الحل والربط. ثم جاء الصحافي الأميركي سنو لمقابلة ماو وكان لكتابه «النجم الأحمر» أثر في جعل الرأي العام الغربي يتعاطف مع ماو. في آخر يوم من 1937 انتقل ماو الى مدينة ينان وتزوج للمرة الرابعة. ثم كانت الحرب الصينيةـ اليابانية فاغتنمها ماو لتوجيه ضربات موجعة الى القوميين، لكن لما اجتاحت المانيا الاتحاد السوفياتي في 22 يونيو 1941 تغيّرت حسابات ماو بصورة جذرية.

وبين حدث وحدث في قصة ماو يغمز الكاتبان من قناته. فهو يقود حملة رعب أو يرعى الاضطهاد وهو على الدوام ستالين الحزب الشيوعي الصيني، فلا يدري القارئ أن كان ذلك ذمّا أم مدحاً.

قمع مناهضي الثورة

الى الدولة التوتاليتارية. ففي اكتوبر 1950 أطلق ماو «حملة على صعيد الامة لقمع مناهضي الثورة» تزامنت مع الاصلاح الزراعي في المناطق المحتلة حديثاً حيث يعيش ثلث شعب الصين. وبحسب تأريخ المؤلفين بدأ التنافس مع ستالين، أي «صراع الطاغيين»، إذ طلب ماو من ستالين ان يساعده على بناء آلة حرب على المستوى الاممي وتحويل الصين الى قوة عظمى. في ديسمبر 1949 توجّه ماو بالقطار الى موسكو لتهنئة ستالين في عيد ميلاده السبعين يوم 21 ديسمبر. وفي 30 يناير 1950 وفيما كان ماو في موسكو اعترف ستالين بنظام هوشي منيه في فيتنام. وصل هوشي مينه الى موسكو عبر بكين ووصل في الوقت المحدّد ليظهر في العشاء الوداعي الذي أقامه ستالين على شرف ماو في الكرملين في 16 شباط 1950. أعلم ستالين هوشي منيه ان مساعدة فيتنام هي مسؤولية الصين وعلى نفقتها. كان منيه القائد الشيوعي الاجنبي الوحيد الذي سُمح لماو بأن يجري معه محادثات خاصة خلال رحلته. عاد الرجلان الى الصين في القطار نفسه ضمن مواكبة: بين قطار يقلّ طيارين سوفيات ذاهبين لحماية شانغهاي والمدن الصينية الساحلية وآخر يحمل مقاتلات ميغ - 15. ثم أتاح ستالين لماو فرصة شملت الحرب في كوريا ضد الاميركان، وهكذا تمكّن ستالين من إفشال خططهم فانقلبت موازين القوى لمصلحة ستالين فتحوّلت أحلامه الى وقائع. فما ان وافق ماو على وقف الحرب الكورية في مايو 1953 حتى أقرّ خلفاء ستالين في الكرملين بيع الصين او منشأة صناعية اضافة الى المشاريع الخمسين التي وافق عليها ستالين نفسه فانطلق ماو في مسار تحويل الصين الى قوة عظمى.

ثم يتهم المؤلفان ماو بشهر الحرب على الفلاحين وإضعاف خروتشوف في موسكو وشنّ عمليات ترهيب واحتلال التيبيت فقمع المثّقفين، وصولاً الى «التطهير الكبير» بين 1966 و1967، فلا يدري القارئ كيف تمكّن ماو من القضاء على 155 مليون فرد، فالله أعلم بالسرائر. ويطمئننا الكاتبان بفشل الماوية على الساحة العالمية.

الكتاب من باب التشهير بماو وان كانت هناك حقائق موثّقة لا تخفى، فالغرب، بوركت ديمقراطية أهله، لا يصدّق ان ماو قفز بالصين من الفلاحة الى الصناعة.