في العراق، ثمة قناعة لا تتزحزح تفيد بأن أميركا خسرت حربها هناك. هنيئاً للعراقيين بهذا النصر، لكن الأكيد أن أي شعب عاقل خارج العراق، بعد هذا النصر العراقي المؤزر، لم يعد يريد نصراً مماثلاً. الأميركيون في أغلبيتهم لا يعتقدون أن قرار الحرب على العراق كان قراراً صائباً. هذا رأي اليوم، إذ إن رأي الأمس كان مختلفاً، ولنا أن نتذكر أن 72 في المئة من الشعب الأميركي أيدوا حرب الرئيس بوش في العراق. لكن الحرب لم تصل إلى نتائجها المرجوة بالنسبة للشعب الأميركي. ربما يكون من المجدي أن نعيد تحديد الرجاء. لم تحمل الحرب على العراق، بعد سنوات خمس، الأمن للشعب الأميركي. لكن تدني الهجمات الإرهابية على الأرض الأميركية إلى حد انعدامها أمر لا تلحظه الشعوب، والشعب الأميركي ليس مختلفاً عن شعوب العالم. هذا أمر يفترض أنه من أولى مهمات الدولة الجامعة: اطمئنان المواطن إلى يومه وغده، ونجاح الدولة في حفظ حياته من الأذى، ومعاقبة المتسببين به. لم تتحول شعوب العالم إلى شعوب محبة للشعب الأميركي، أقله في منطقة الشرق الأوسط. هذا أيضاً يدخل من باب الإخفاقات. لكننا لا نستطيع التثبت يقيناً من الأسباب التي دفعت بالنظام الليبي إلى التحول عن محاربة أميركا والامبريالية، وفي تطلب النظام السوري الملحاح للسلم مع إسرائيل. هل كان هذان التحولان وغيرهما كثير، من نتائج الغزو أم من نتائج التطور في الذهنية النظامية في سورية وليبيا؟ سؤال يمكن أن نحدس بإجابته ما إن يتم طرحه.صحيح أن إيران مازالت على حالها من العداء لأميركا. منذ قيام الثورة وهي تناصب الشيطان الأكبر أشد درجات العداء. لكن إيران اليوم أقوى بكثير مما كانت عليه لحظة قيام الثورة الإسلامية. وهذا تهديد يجدر بنا أخذه على محمل الجد. إيران النووية مصدر خطر على أميركا العظمى. ليس مهماً في نظر الأميركيين، ولا الإيرانيين أيضاً، إن إيران شبه النووية تعاني في الاقتصاد والاجتماع، وتكاد ثرواتها الهائلة تذهب إهداراً على التسلح واستيراد البرامج النووية، ودعم الحلفاء القليلين في العالم. لكن ركود الاقتصاد الأميركي مهم للإيرانيين أنفسهم، ومن نافل القول إنه يهم الأميركيين. فهذه دلالة على ترهل العملاق الأكبر وربما يحل عليه التعب بعده. أما إيران فلا تتعب ولا تكل، لا يهزها الركود ولا يخيفها التضخم، ولا ترهبها الحروب.إيران أيضاً وأيضاً. يبالغ المحللون الأذكياء في الانتباه إلى صعوبة الحرب الأميركية على إيران. إحدى أهم الصعوبات في نظر هؤلاء، أن الجيش الأميركي في العراق سيصبح في قبضة الحرس الثوري. تحليل لا مع ولا شك. لكن هؤلاء ينسون أن هذا الجيش نفسه، بضباطه أنفسهم وجنوده أيضاً، هزم الجيش العراقي عام 2003. على حد علمي لم يصبح ديفيد بترايوس مترهباً ومسالماً ممنياً النفس أن ينتقل من جهة مونتغمري وكولن باول في التاريخ إلى جهة المهاتما غاندي والأم تيريزا.فلسطين. حيث الصورة أوضح ما يكون. هناك تنتصر «حماس» كل يوم. تنتصر حين ينقطع التيار الكهربائي، وتنتصر حين يسقط الشهداء بالعشرات، وتنتصر حين تنتفض على حركة «فتح»، وتنتصر حين تفجر جزءاً من الجدار الذي يفصل غزة عن مصر، وتنتصر حين تقصف سديروت بصورايخ القسام. وهذا كله، أو معظمه على الأقل، يقرب من احتمال الانفجار الفلسطيني الداخلي مع حركة «فتح». الوساطات كلها تريد منع الانفجار، لكننا اليوم نود أن نعرف من هو عدوها بالضبط: حركة «فتح» أم مصر أم الولايات المتحدة وإسرائيل؟لبنان ولا فخر. المقاومة منتصرة، هي دائماً منتصرة. انتصاراً باهراً يمنع المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» من الدخول في المياه الإقليمية اللبنانية، لئلا تتكرر تجربة العام 1982 مع الاميركيين فيفرون على غير هدى. مع ذلك يجدر بنا أن ننتبه إلى أن الاستنفار الإسرائيلي على الحدود اللبنانية دفع بمعظم أهل الجنوب إلى التزاحم أمام أبواب الأمن العام طلباً لجوازات السفر. نحن نعرف معنى الانتصار، هل يعرفه الأميركيون؟ قبل قمة دمشق الفلسطينية بامتياز، ولأنها فلسطينية، تسري أخبار صحفية عن حشد الجيش السوري ثلاث فرق في نقاط حدودية مع لبنان. من هناك بالضبط ستتم هزيمة أميركا، وإخراج عملائها من لبنان، على ما يقول المعارضون اللبنانيون. سورية والمعارضة اللبنانية ستحرران لبنان من جيش الاحتلال الأميركي بقيادة الجنرال فؤاد السنيورة.أخيراً، في العراق. ثمة قناعة لا تتزحزح تفيد بأن أميركا خسرت حربها هناك. هنيئاً للعراقيين بهذا النصر، لكن الأكيد أن أي شعب عاقل خارج العراق، بعد هذا النصر العراقي المؤزر، لم يعد يريد نصراً مماثلاً.* كاتب لبناني
مقالات
الحرب التي يربحها القتلى
26-03-2008