Ad

كان حل مجلس عام 1986 هو الأكثر قسوة، كان واضحاً أن موازين القوى آنذاك قد انحازت تماماً نحو رؤية الإجهاز الكامل على الدستور والبرلمان وتوابعه وحرياته بصورة نهائية.

لا أفهم لماذا يعاد الحديث عن حل غير دستوري هذه الأيام؛ فعلينا أن نتذكر جيداً أنه في مثل هذه الأيام عندما حدث الغزو كانت البلاد على المستويين الداخلي والخارجي في أسوأ حالاتها، فلم تمر على الكويت حقبة أسوأ منها في تاريخها بعلاقتها مع القوى الإقليمية الثلاث، إيران والعراق والسعودية، أما داخلياً فقد استحوذت السلطة التنفيذية على كل مقدرات اتخاذ القرار من الألف إلى الياء.

وفي المقابل فإننا نتفهم أن هناك حالة احتقان في الأداء تلام عليها السلطة التنفيذية كما تلام عليها السلطة التشريعية كل بقدره، لكنّ التصور بأن المخرج من حالة الاحتقان تلك هو في الحل غير الدستوري لن يؤدي إلا إلى كارثة أخرى لا يعلم إلا الله عواقبها.

كان حل مجلس عام 1986 هو الأكثر قسوة، كان واضحاً أن موازين القوى آنذاك قد انحازت تماماً نحو رؤية الإجهاز الكامل على الدستور والبرلمان وتوابعه وحرياته بصورة نهائية.

كان طلاقاً بائناً لا رجعة فيه، كان فصلا لرأس الوطن عن جسده.

كان واضحاً أن هناك سياقا ومسارا بدأ بتزوير 1967 ثم حل المجلس 1976 ومحاولة التنقيح 1980 وبعدها، كلها كانت تدور في إطار دستوري بشكل أو بآخر، أما حل مجلس 1986 فقد كان شيئا آخر، كان الأمر بداية لنهاية دولة الكويت الثانية الدستورية التي ولدت بعد الاستقلال وولادة دولة الكويت الثالثة المحكومة بشكل مطلق مركزي فلا شرعية دستورية «ولا هم يحزنون».

ولعل أبرز مؤشرات تلك الحقبة وأهمها كان استحداث نظام رقابة على الصحافة لم يعد موجودا في أكثر الدول تخلفاً أو قمعية حيث أصبح هناك رقيب من وزارة الإعلام يقوم بقراءة جميع المواد الصحفية بما في ذلك الإعلانات التجارية قبل نشرها ولديه كامل الصلاحية بمنع ما يراه «غير مناسب» من النشر. أما ماهية ذلك «غير المناسب» فلا يعملها إلا الله و«الراسخون» في العلم. وهكذا أصبح لكل صحيفة رئيس تحرير موازٍ وهو موظف حكومي. ولم يدرك مَن فكّر في هذا الإجراء بأنه قد جعل من الصحافة الكويتية ناطقة رسمية باسم الحكومة من خلال ذلك الأسلوب أصبح ما ينشر في الصحافة مؤيد من قبل الحكومة والعكس صحيح. وقد أدى هذا الوضع الغريب والشاذ الى إحراجات ما بعدها إحراجات في السياسة الخارجية، بل أدى الى أن بعض الدول لم تكن متحمسة لدعم الكويت إبان الغزو. ولم يقتصر الأمر فقط على السياسة الخارجية فقد أحدثت الرقابة أضراراً أخرى على المستوى الداخلي وحيث إن حديث الرقابة ذاك على درجة عالية من الأهمية، فسنخصص له مساحة اوسع لاحقا.

في ذلك الصيف الساخن من عام 1986 جرت محاولة لبناء دولة الكويت الثالثة، دولة لا علاقة لها بالكويت التي نعرفها، فكان لنا حينها ان نذرف دمعة على خد الوطن، عندما انتهك حرماته صدام حسين واحتله في أربع ساعات، بينما كان الأمن الكويتي منشغلا بأحاديث الدواوين فكان أن ضاعت البلاد والعباد. أعاننا الله على ما هو قادم.