جاءت نتائج الانتخابات التشريعية المغربية 2007 مفاجئة للعديد من المراقبين. حصد حزب «الاستقلال»، أحد الأطراف الكبرى في الائتلاف الحاكم منذ 1998، أكبر عدد من المقاعد (52 مقعداً) متبوعاً بحزب «العدالة والتنمية» المعارض الذي حل في المركز الثاني مؤمناً 46 مقعداً، أما «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» المشارك في الحكومة وصاحب الكتلة الأكبر في البرلمان بين 2002 و2007 فكان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات، إذ تراجع عدد مقاعده من 50 إلى 38 فقط.

وعلى الرغم من أن سقوط «الاتحاد الاشتراكي» كان متوقعا بدرجة كبيرة، ومرده على الأرجح إلى حدوث سلسلة من الصراعات الداخلية والانشقاقات التي لم يتمكن قادته من استيعابها، فإن البروز القوي لحزب «الاستقلال» المتحالف مع الاشتراكيين يُعد أمراً محيراً. جاءت كذلك نتائج حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي المعتدل مفاجئة، حيث رجحت التوقعات الغربية والمغربية التي سبقت الانتخابات فوزه بنصيب الأسد من مقاعد البرلمان استنادا إلى النمو المستمر للإسلاميين في المغرب، بل وعموم العالم العربي.

Ad

وأغلب الظن أن نتائج الانتخابات هذه ستسمح لحزب «الاستقلال» بقيادة الائتلاف الحاكم الجديد مع الاشتراكيين وعدد من أحزاب القصر (التجمع الوطني للأحرار) والأحزاب المناطقية (الحركة الشعبية الأمازيهيغية) والقوى الليبرالية الصغيرة. المرجح أيضاً أن الإسلاميين سيلزمون مواقعهم ككتلة المعارضة الأكبر في البرلمان. يبدو أن الحصيلة المتواضعة لحزب «العدالة والتنمية» في انتخابات 2007 ستوفر على القصر الملكي والأحزاب التقليدية عناء التفكير في كيفية دمج الحزب في صفوف الائتلاف الحاكم الجديد. وكان القصر وكذلك الأحزاب التقليدية قد استبقت الانتخابات بتسجيل رفضهم لدمج الإسلاميين في الحكومة إن على نحو مباشر كما فعل الاتحاد الاشتراكي أو بصورة غير مباشرة كما اتبع القصر وحزب الاستقلال.

لن تغير إذن نتائج الانتخابات التشريعية 2007 المشهد السياسي المغربي على نحو جوهري. إلا أن الأمر اللافت والمقلق بحق هو الانخفاض غير المسبوق في نسبة مشاركة الناخبين في الاقتراع. على الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها الحكومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتشجيع المواطنين على الإدلاء بأصواتهم، تدنت نسبة المشاركة إلى 37% مقارنة بنسبة 51% في انتخابات 2002 و58% في 1997. وقناعتي أن ضعف البرلمان المغربي ومحدودية صلاحياته إذا ما قورنت بمراكز القوة الحقيقية في النظام السياسي إنما تمثل العوامل الرئيسية وراء غياب الناخبين. فعجز البرلمان عن القيام بدور فعال في التشريع وفي مراقبة تنفيذ السياسات العامة من قبل الحكومة خلق حالة من عدم الرضا الشعبي عن البرلمان والأحزاب الممثلة به ودفع العديد من الناخبين إلى اللامبالاة ومقاطعة الانتخابات.

وواقع الأمر أن خطوات الإصلاح السياسي المتتابعة في المغرب خلال السنوات الماضية لم تغير على الإطلاق من تركز السلطة بيد المؤسسة الملكية، وكرست بالتبعية محدودية فعل البرلمان وهشاشة أدواته التشريعية والرقابية، وخصمت من رصيد الأحزاب السياسية لدى المواطنين. هنا يبدو عزوف الناخب المغربي بمنزلة رسالة ذات فحوى احتجاجية واضحة تعلن رفض لعبة سياسية، ظاهرها التعددية وباطنها هيمنة مستمرة للمؤسسة الملكية.

ومع ذلك فإنه من الخطأ أن تحمل المؤسسة الملكية المسؤولية الكاملة لتدني الإقبال الجماهيري في انتخابات 2007، فالثابت أن القصور في أداء الأحزاب السياسية سواء كان انتماؤها للائتلاف الحاكم السابق أو للمعارضة، قد فاقم أيضاً من المشكلة. فشل «الاتحاد الاشتراكي» وحزب «الاستقلال» في استخدام مشاركتهما في الحكومة لتطوير برامج تنفيذية ناجعة لحل أزمات المغرب الاقتصادية والاجتماعية كالفقر والبطالة والهجرة غير الشرعية والفساد وغيرها، في حين تورط عدد من رموز الأحزاب الأخرى في فضائح فساد كبرى خصمت من مصداقية الساحة الحزبية ككل. كذلك فشل إسلاميو «العدالة والتنمية»، على الرغم من الأداء المتميز لكتلتهم البرلمانية بين 2002 و2007، سواء في إنجاز تعبئة ناجحة لقواعد التيارات الإسلامية الشعبية وهي الأهم في المغرب، أو في إقناع المواطنين غير المنتمين سياسياً بالذهاب إلى مراكز الاقتراع والمشاركة في العملية التصويتية.

يضع انخفاض نسبة مشاركة الناخبين الملك وجل الأحزاب السياسية أمام تحد حقيقي. فالتحول الديموقراطي في مغرب المدونة ولجنة المصالحة والإنصاف يعاني معضلة العزوف الشعبي، وتلك كفيلة حال استمرارها بتفريغ الحياة السياسية من المضمون. المخرج الوحيد هو أن تعمل المؤسسة الملكية مع الأحزاب، تقليدية وإسلامية ليبرالية واشتراكية، على صياغة توافق وطني بشأن الحد، بتدرجية، من تركز السلطات بيد الملك وتعزيز صلاحيات البرلمان التشريعية والرقابية لتمكينه، وبالتبعية الأحزاب المكونة له، من اداء دور فعال ومقنع للمواطنين. ومن دون ذلك يبدو التفاقم المستقبلي لمعضلة الناخب الغائب حتمياً.

* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيجي لدراسات السلام» - واشنطن