سيرين مكوك فتاة لبنانية لم تبلغ عامها السادس عشر بعد، اكتشفت منذ اعوام قليلة أن ثمة علاقة حميمة تجمعها مع الرسم. هكذا بدأت رحلتها مع اللون وبدأت اللوحة الكامنة في أصابعها وروحها بالظهور شيئا فشيئا مرورا بمراحل فنية وتقنية عدة من الرصاص وصولا إلى الزيت والأكريليك.

Ad

معها هذا الحوار:

كيف عرفت أنك تملكين موهبة الرسم؟

عندما كنت صغيرة كنت أرسم على ورق عادي بقلم الرصاص فانتبه اساتذتي وأهلي إلى هذه الموهبة وشجعوني وأدخلوني إلى معهد متخصص بتعليم الرسم، هناك تعرفت على طرق الرسم وأنواع المواد المختلفة التي تستعمل في اللوحات وكيفية التعامل معها. سرعان ما انتقلت من الفحم إلى الغواش والزيت والأكريليك والزيت.

ما الذي جعلك تشعرين أنك قادرة على أن تكوني رسامة؟

بداية دخلت إلى المركز الثقافي الروسي الذي كان ينظم دورات لتعليم الرسم. فتعلمت تحديد الأبعاد وقياس المسافات وتصميم اللوحة وشعرت أن في داخلي لوحات ورسوماً ما دفعني إلى الإستمرار وإلى تلمس قدرتي في أن أكون رسامة.

ما هي المراحل التي مررت بها وكيف تطورت موهبتك وما هي خصوصية كل مرحلة؟

أولا في مرحلة الرصاص تعلمت أصول الرسم ثم بدأت بالألوان غير المائية ثم انتقلت إلى المرحلة الأصعب وهي مرحلة الألوان المائية. كنت أعاني صعوبة مع الزيت لأن له موادَّ خاصة ولا تنتهي اللوحة مباشرة من المرة الأولى كما هو الحال مع الغواش والأكواريل، فبواسطتهما ترسم اللوحة على الورق أولا، أما مع الزيت فلا بد من الرسم على الخشب مباشرة.

كانت اللوحة مع الغواش تنتهي في خمس دقائق إلا أنها مع الزيت صارت تحتاج إلى أربع ساعات.

ما هي المادة الأحب إلى قلبك؟

الرسم بالأكريليك.

ما هي ألوانك المفضلة؟

الألوان المفرحة والفاتحة ولا أحب الألوان الغامقة والحزينة ولا الأسود وأحاول تجنب استعماله في لوحاتي لأنه لون حزين في حين أن لا مجال للحزن في حياتي بل أسعى إلى التعبير عن الفرح والطفولة.

هل يمكن دائما تجنب استخدام الأسود؟

لا أضطر أحياناً إلى استخدامه لأغراض فنية تتعلق ببناء اللوحة، لكن أحرص على أن لا يكون مسيطرا وأساسيا.

كيف صنفت كأصغر رسامة محترفة في لبنان؟

شاركت مرة في معرض مشترك مع مجموعة من الرسامين بعدما دعاني أستاذي وجيه نحله الذي كان له كل الفضل في اكتشافي وتعليمي. قدمت لوحة فقصد الأستاذ وجيه منزلي وتكلم مع أمي ظنا منه أنها هي من رسمها ودهش حين عرف أنها لي. كنت في الثالثة عشرة من العمر في حين أن معظم المشاركين كانوا أكبر مني بخمس سنوات وكانوا من خريجي معاهد الفنون. لفتت لوحاتي المشاركين، ودعيت بعد ذلك إلى المركز الثقافي في طرابلس حيث كانت تجرى مباراة في نسخ اللوحات الخاصة بالأستاذ وجيه نحله، فنقلت لوحة كبيرة قياس متر بمترين في وقت قصير ونلت شهادة تقدير بوصفي أصغر رسامة محترفة في لبنان.

ما هي مواضيعك المفضلة؟

البورتريه لأن كل وجه يحمل صفات خاصة ومميزة كذلك أحب رسم الأحصنة لأنها تعبر عن القوة.

من تفضلين من الرسامين التشكيليين؟

الأستاذ وجيه نحله في لبنان، على الصعيد العالمي أحب الرسام سلفادور دالي لأفكاره وطريقته في استخدام الألوان ومونيه المشهور برسم المشاهد الطبيعية والبورتريه.

سلفادور دالي كان سرياليا ولا يؤمن بالواقع هل أنت كذلك؟

نعم إلى حد ما لأن كل لوحة هي خيال، إذا كنا نعيش وضعا سيئا هل يعني أننا يجب أن نضعه في اللوحة كما هو؟ نحن نعيش الآن أوضاعا مؤلمة فإذا انعكست في اللوحة يعني أننا نقضي على أنفسنا. لا يجب نقل التشنج وتصوير الواقع البشع كي لا نتدمر.

هل يعني هذا أن اللوحة هي احتجاج؟

نعم بالتأكيد.

مونيه كان مريحا ورقيقا وأنت تحبين رسم الأحصنة لأنها ترمز إلى القوة كيف تفسرين ذلك؟

أحب الانسجام، من الممكن أن تكون القوة ماثلة في الموضوع أحياناً وفي اللون أحياناً أخرى، وقد تكون الألوان هادئة والموضوع قوياً، المهم هو الانسجام. رسمت مرة لوحة فيها امرأة وحصانان من دون أن يكون هناك أي تنافر.

كيف هي علاقتك مع الموسيقى؟

أحيانا أستلهم منها مواضيعي وتساهم في تغذية شعوري وقد تؤثر في طبيعة استخدامي اللون، فإذا استمعت مثلا إلى موسيقى صاخبة أثناء الرسم أجد نفسي أستعمل الألوان القوية.

كيف يتعاطى أهلك مع موضوع الرسم وهمومه؟

يؤدي أهلي دورا رئيسا في دعمي وتشجيعي ماديا ومعنويا، عندما كنت أشعر بالإحباط إثر رسم لوحة سيئة وأقرر التوقف عن الرسم، كان يساهم دعم أهلي وتشجيعهم لي في إعادة ثقتي بنفسي واقتناعي بأنني قادرة على رسم لوحات جميلة وبأن الفشل هو شيء طبيعي في مسيرة النجاح.

ماهي علاقتك بالفنون التي تستعمل موادَّ مثل الحديد والتنك والورق لتحويلها إلى أشكال مختلفة؟

هذا النوع من الفنون مهم ومبدع، لكن ما يعنيني بشكل خاص هو اللون.

هل تنوين التخصص في الرسم؟

كلا.لا أريد أن أجعل من الأمر تخصصا ومهنة أعتاش منها . الرسم موهبة لكنني، ككل إنسان يعيش في هذا البلد، أحتاج إلى تأمين عيشي أولا . الأمر عفوي وهذا لا يعني أنني لن أدرس طرق الرسم وأحاول إتقان الأساليب والطرق والمناهج المختلفة فيه، لكن يجب أن يبقى عفويا على الدوام. عموما لا نستطيع أن نجد ما يستحق الرسم في جميع الأوقات.

ماهو الإختصاص الجامعي الذي تنوين متابعته؟

الصيدلة وتركيب الأدوية.

ثمة تقارب بين هذا الاختصاص وعملية مزج الألوان وخلق اللوحات، أليس كذلك؟

نعم.أحب أن أبتكر الأشياء وأن أقوم بالخلق. تكون اللوحة أمامي مساحة بيضاء ثم تتحول إلى لوحة بعد أن يتم مزج الألوان وتركيبها واستعمالها . يشبه اختصاص تركيب الأدوية عملية الخلق في الرسم، فأنت تستعمل مجموعة من المواد المتنوعة لكل واحدة تأثير معين قد يكون مؤذيا، لكن مزجها وتركيبها بمقادير معينة يجعل منها دواء مفيداً. أرى في الموضوع خلقا وإبداعا وأنا أحب الخلق.

هل تقبلين ببيع لوحاتك؟

الأمر صعب لأن كل لوحة تعني لي الكثير وخصوصا لوحاتي الأولى التي تمثل بدايات اكتشاف موهبتي، لذا هي غالية عندي بقدر غلاوة إخوتي، ربما أبيع لوحات في المستقبل لأنني أحب أن يكون في كل بيت لبناني لوحة لسيرين مكوك.