ثمة سببان يجعلان القرار الوزاري العربي فاعلاً وله حظوظه من النجاح: الأول، يتصل بتوقيت الاجتماع، والثاني يتصل بمحورية الدولتين الداعيتين إلى الاجتماع، لكن هذه المقدمات الإيجابية كلها لا تمنع اللبنانيين من التشاؤم لأسباب جوهرية.

Ad

لم تنزل الموافقة السورية على قرار مجلس الوزراء العرب بشأن الأزمة الرئاسية في لبنان صاعقة من سماء صافية، فكان ثمة إشارات كثيرة لبنانية وسورية خصوصاً، سبقت الاجتماع ومهّدت للنتائج التي وصل إليها، ومن نافل القول أن الرئيس نبيه بري كان قد أعلن صراحة في تعليقه السريع على دعوة أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى لبنان لحضور الاجتماع، بالقول: فليتّفق العرب في ما بينهم وسيكون لبنان بألف خير. طبعاً لم يقل السيد نبيه بري قوله هذا بقصد تجاهل الأسباب الداخلية التي تحول دون التوافق بين القوى المتصارعة، بل إنه على الأرجح أراد التعبير بموقف موجز عن طبيعة التعقيد الأبرز الذي يحول دون انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، رغم التوافق على شخصه، والمتعلق بالمطلب السوري، الذي عبر عنه بعض المقربين من سورية في أكثر من مناسبة، وكان رئيس الحكومة السابق سليم الحص قد افتتح صالون المعبرين عنه، أي هذا المطلب، في تصريح صحفي مطلع الأسبوع الماضي اعتبر فيه أن مكمن الحل في لبنان يتمثل في اتفاق سوري–سعودي.

في الأسباب التي تدفع سورية إلى الانتقال من حال التعطيل المعلن إلى حال التسهيل في موضوع الأزمة الرئاسية في لبنان، ثمة سببان لابدّ من إلقاء الضوء عليهما:

السبب الأول، يتصل اتصالاً حاسماً بطبيعة الدعوة إلى الاجتماع التي لحظت دوراً سورياً محورياً ليس في لبنان فحسب بل أيضاً في فلسطين والعراق بدرجة أقل. والثاني، يتصل بالسعي الدبلوماسي السوري الحثيث إلى فك طوق العزلة عن النظام الذي يعاني مشكلات دولية وعربية غنية عن التعريف. ولا شك أن النظام السوري ينظر إلى القمة العربية المقبلة في شهر مارس بوصفها قادرة على حل مشكلاته العربية بالجملة، فهي القمة العربية الأولى منذ العام 1964 التي تعقد في دمشق، مما يعني أن شهر مارس المقبل سيكون بالنسبة إلى النظام السوري شهر اتصالات دبلوماسية بالغة الأهمية بالنسبة للنظام، حيث يجتمع في دمشق رؤساء العرب وملوكهم في فرصة تاريخية لن تتكرر. وهذا على الأرجح ما جعل النظام السوري ملحاً في خطب ود الممكلة العربية السعودية بوصف موقعها المحوري في العالم العربي غير قابل للنقاش، من جهة أولى، ولأن القمة لا يمكن أن تنعقد من جهة ثانية من دون عملية التسلم والتسليم بين الرئيس السابق للقمة، وهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس المقبل الذي تنعقد القمة في ضيافته. وهذا ما يجعل الحرص السوري على استرضاء المملكة أبلغ من أن يُخفى.

أما في الأسباب التي تجعل هذا القرار الوزاري العربي فاعلاً وله حظوظه من النجاح، فثمة سببين أيضاً يجدر بنا الإشارة إليهما: الأول، يتصل بتوقيت الاجتماع الذي لم يترك لسورية فرصة المناورة وقتل الوقت على جاري عادة النظام السوري في احتراف اللعب في الوقت الضائع، إذ إن المسافة الزمنية التي تفصلنا عن شهر مارس، تاريخ انعقاد القمة العربية في دمشق، باتت لا تسمح بهامش للمناورة فضلاً عن أنّ القرار نصّ صراحة على تقييد سورية بحسن السلوك والسعي إلى تنفيذ ما اتّفق عليه في مهلة تنتهي حُكْماً في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري تاريخ انعقاد الاجتماع الوزاري العربي المقبل. وثاني الأسباب الدافعة إلى التفاؤل بفاعلية هذا القرار يتصل بمحورية الدولتين الداعيتين إلى الاجتماع. فليس من عادة الدبلوماسيتين المصرية والسعودية الإقدام على خطوات غير محسوبة بدقة شديدة، بما يمثلانه من ثقل في العالم العربي لا يمكن تجاهل آثاره.

لكن هذه المقدمات الإيجابية كلها لا تمنع اللبنانيين من التشاؤم لأسباب جوهرية، وبعض هذه الأسباب يتصل مباشرة بطبيعة القوى السياسية اللبنانية المعارضة التي تجهر برغبتها في تعطيل آلة الدولة من دون لبس أو مواربة، والحق أن ترحيب الرئيس نبيه بري بالقرار مفهوم وأكثر من منطقي، لأن النجاح في تجاوز الفراغ الرئاسي يعيد للرئيس بري دوراً افتقده في ثاني أرفع منصب رسمي لبناني، لكن هذا الأمر لا ينطبق تماماً على حليفيه في المعارضة: «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». حيث يشتبه الأول بكل قيامة للدولة اللبنانية بوصفها تقضم من حدود دولته، بينما يبدو خطاب الثاني شديد الوضوح في رغبته إدامة الفراغ الرئاسي، وهو يدعو المسيحيين اللبنانيين، وللمرة الأولى في تاريخ لبنان، إلى العزوف عن الدخول في أبنية الدولة اللبنانية إذا لم تستجب لمطالبه الخاصة. والأرجح أن النظام السوري قادر بقليل من الحنكة والدراية على إيصال الخطاب العوني إلى درجة تهدد بالانفجار الداخلي الذي قد تستغرق معالجته وقتاً طويلاً يمتد إلى ما بعد تسليم الرئيس بشار الأسد مقاليد رئاسة القمة العربية إلى زعيم عربي آخر.

* كاتب لبناني