Ad

القمة البديلة لا تأتي استجابة لأي باعث سوى الرغبة الصادقة في إعادة بناء النظام العربي بطريقة أكثر ديموقراطية وأكثر اهتماماً بمستقبل هذه الأمة، وهو ما يتطلب جهداً استثنائيا يستمر ستة أشهر على الأقل لإعداد ورش عمل ولقاءات فكرية تتناول كل القضايا حتى يأتي المؤتمر المرتقب نتاجاً لجهود عشرات من النشطاء والمفكرين والسياسيين من كل التيارات دون احتكار لطرف أو إقصاء لآخر.

يغضب السوريون من أي إشارة إلى عدم نجاح القمة التي استضافتها عاصمتهم قبل أسبوع، لا أتحدث هنا عن المسؤولين فحسب بل عن المواطنين السوريين أنفسهم الذين شاهدتهم يتبادلون التهنئة فور انتهاء أعمال القمة فرحين بنجاحها بعد أن اقتنعوا بأن مجرد انعقادها هو نجاح لهم ولقيادتهم التي تغلبت على «الضغوط» ومحاولات إجهاض اجتماع القادة العرب في دمشق.

إلا أن هذا الغضب لا ينفي أن أي حساب موضوعي لنتائج القمة لابد أن يخرج بمحصلة تكاد تقارب الصفر، فالقمة التي شغلت العالم العربي لم تزد في حقيقتها عن اجتماع دام ثلاث ساعات واقتصر على نقاش أشبه بالدردشة بين عدد من الجيران تصادف جلوسهم معاً في أحد المقاهي أو الديوانيات، بالإضافة إلى جلستين ألقى فيهما رؤساء الوفود كلمات ملأها من كتبوها بالعبارات الإنشائية والمواقف التقليدية التي ظن أصحابها أن التاريخ قد يهتم بأن يتوقف ليسجلها لهم، ليصدر في النهاية عدد من التوصيات المكررة التي تكاد تتطابق مع تلك الصادرة عن القمم السبع السابقة.

والمؤسف أن هذا المنهج الذي يستغني بالشكل عن الجوهر يبدو مرشحاً للاستمرار حتى قمة الدوحة بعد عام كامل، إذ يراهن السوريون على قطع الوقت حتى انتهاء ولاية الإدارة الأميركية الحالية مع محاولة تلطيف الأجواء مع القاهرة لفك التحالف المصري-السعودي الرافض للسياسة السورية إزاء لبنان دون التراجع خطوة عن تلك السياسة في نفس الوقت، وهو هدف تعتقد القيادة السورية أنها يمكن أن تحققه باستخدام ورقة «حماس» التي تهم المصريين أكثر من لبنان على عكس السعودية.

وتتجاهل هذه الرؤية أن كل التكتيكات لن تنقذ النظام الإقليمي العربي الذي يوشك أن يتداعى تحت ضغوط أميركية من ناحية وإيرانية من الناحية الأخرى مع ضعف مناعة هذا النظام بسبب نجاح الاختراقات الإسرائيلية فيه منذ كامب ديفيد المشؤومة حتى الآن، ويدرك السوريون قبل غيرهم أن أمامهم استحقاقاً لن تنفعهم معه لعبة الوقت يتمثل في اقتراب موعد المحاكمة الدولية بجريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري.

بمواجهة هذا الوضع لا يبدو هناك حل إلا بالدعوة إلى قمة عربية جديدة من دون انتظار «الدوحة 2009» التي لن تقوى الصيغة اللبنانية الهشة على انتظارها ولن يقبل المتربصون بالمنطقة بإضاعة فرصة الشهور الطويلة التي تفصلنا عنها.

القمة الجديدة يجب ألا تكون فقط تعويضاً عن قمة دمشق التي مرت وكأنها لم تأت، بل عليها أن تمثل بديلاً موضوعياً للروح التي سادت تلك القمة لدى الحاضرين والغائبين معاً، وللأجواء التي رافقتها ولمنهج تجاهل القضايا الملحة وعلى رأسها الأزمة اللبنانية التي تكاد تهدد مستقبل المنطقة كلها، بما أدت إليه من انتشار الاحتقان الطائفي الذي يشرخ جدر الوحدة الوطنية في أكثر من دولة عربية واحتمالات أن يتطور إلى صدامات تقسم تلك الجدر، وربما تقوضها تماماً.

القمة البديلة التي ندعو إليها ليست تكراراً لأسلوب جامعة الدول العربية لكنها في الوقت نفسه ليست أداة في الصراعات العربية-العربية يستخدمها طرف في الكيد لطرف آخر، لذا عليها أن تأتي كمبادرة من المجتمع المدني العربي يدعو لها ويشرف عليها ويقودها بعيداً عن كل الحكومات من دون أن يستبعدها أو يقفز فوقها.

القمة البديلة لا تأتي استجابة لأي باعث سوى الرغبة الصادقة في إعادة بناء النظام العربي بطريقة أكثر ديموقراطية وأكثر اهتماماً بمستقبل هذه الأمة، وهو ما يتطلب جهداً استثنائيا يستمر ستة أشهر على الأقل لإعداد ورش عمل ولقاءات فكرية تتناول كل القضايا حتى يأتي المؤتمر المرتقب نتاجاً لجهود عشرات من النشطاء والمفكرين والسياسيين من كل التيارات دون احتكار لطرف أو إقصاء لآخر، لتكون القمة عربية بحق ولن يكون وقتها من المهم أسماء القادة الذين يقبلون المشاركة أو الذين يصرون على الغياب.

هذا الجهد يستند إلى أكثر من سابقة مشابهة في الأربعينيات وقبل أن تعقد القمة العربية الأولى في قرية أنشاص شمال القاهرة، وقتها شارك ممثلون عن الحكومات العربية مع شخصيات مستقلة ونشطاء وزعماء وطنيين في سلسلة مؤتمرات بدأت في بلودان بسورية للتباحث حول كيفية إنقاذ فلسطين من الخطر الصهيوني الذي كانت ضراوته تزداد يومياً.

إن هذه القمة المقترحة لا يمكن أن تعقد إلا بمبادرة تتشارك بها هيئات شعبية مثل البرلمان العربي الانتقالي والمؤتمر القومي العربي ومؤسسة الفكر العربي ومركز دراسات الوحدة العربية وغيرها، فهل من مبادر يتقدم الصفوف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان؟