أدرك «حزب الله» بعد أحداث الشغب الأخيرة أن ميدانه الذي يستطيع التحصن والتحرك فيه من دون عوائق لا يمكن أن يتجاوز المناطق التي أتم إقفالها في وجه كل تنوع، وأن التنوع في حد ذاته يضرب هذا الحزب في مقتل، ويهشم أسباب قوته التي يهدد بها خصومه من اللبنانيين وغير اللبنانيين. لا تخفي اللهجة المتوعدة التي يخاطب قادة «حزب الله» اللبنانيين عبرها حجم الحرج الذي أصاب المعارضة اللبنانية بعد أحداث ما اصطلح على تسميته بالأحد الدامي على الخط الفاصل بين الشياح-عين الرمانة، والذي ذهب ضحيته سبعة شهداء. ذلك أن «حزب الله» سارع إلى سد الشقوق ورتق التصدعات التي أصابت تحالفه مع تيار الجنرال ميشال عون، مشدداً في كل خطب قادته ومفوهيه، على متانة هذا التحالف وعمق جذوره. وقادة الحزب على حق في ما ذهبوا إليه، في ما يتعلق بعمق جذور التحالف مع التيار العوني، لأن التصدعات لم تصب هذا التحالف بمقدار ما أصابت جمهوره. حيث بدا في ذلك اليوم أن قوة المصالح المشتركة التي تربط الطرفين المتحالفين لم تمنع «جمهور المقاومة» من الهجوم على جمهور التيار، واعتبار عين الرمانة، التي يشكل المسيحيون الأغلبية الساحقة من سكانها، دار حرب أو دار اشتباه ينبغي أن يحذر منها جمهور المقاومة في أقل تقدير.وهذا في واقع الأمر غيض من فيض ما ترتب من نتائج على يوم الشغب الكبير. ذلك أن اعتبار عين الرمانة دار حرب أو دار اشتباه، لا يتصل من قريب أو بعيد، بالنسبة لـ«حزب الله»، بوثيقة التفاهم الموقعة بين الحزب والتيار الوطني، بل بكون المحلة المسيحية الطابع مخترقة من تيارات أخرى سوى التيار الوطني الحر. وهي بالتالي تشكل ميداناً غير مأمون للحزب وجمهوره، يجدر التعامل معه بأقصى الريبة والحذر. لقد تدرج «حزب الله» منذ أكثر من عام في المسالك الأهلية اللبنانية، ليكتشف بعد أحد الشغب، أن لا تيار يشبه تياره، وليس ثمة جمهور يشبه جمهوره، وأن الصفاء الأهلي الذي اشتغل الحزب طويلاً على تحقيقه في مناطق سيطرته، في ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع الشمالي، ليس ممكن التحقق في مناطق أخرى على أي وجه من الوجوه، سواء كان وجهاً معادياً لـ«حزب الله» أو مناصراً له متحالفاً معه، إلا بواسطة سيادة جو من الاحتراب الأهلي يعيد البلد عقوداً إلى الخلف، أي إلى اللحظة التي وجد «حزب الله» نفسه فيها قادراً على العمل وسط محيط داعم ومتجانس إلى أبعد حد.قبل عام من اليوم، عرف «حزب الله» واحدة من أكبر استعصاءاته الأهلية، حصل ذلك إثر تظاهرات للمعارضة قطعت أوصال بيروت بالدواليب المحرقة، في 23 ديسمبر من العام 2007، ولم يلبث ما سمي يومذاك الثلاثاء الأسود أن أعقبه خميس دام في الخامس والعشرين من الشهر نفسه، شهد اشتباكات بالعصي والهراوات بين أبناء حي الطريق الجديدة السنّة ومتظاهري «حزب الله» وحركة «أمل» أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، وحمل أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله على الطلب من الشبان العودة إلى منازلهم درءاً لنار الفتنة التي بدأت بالظهور لكل ذي عين بصيرة. يومها أدرك «حزب الله» أن بيروت باتت عصية على عراضات جمهوره الغاضب، من دون المغامرة بإشعال حرب لا قرار لها. وبات الحديث عن عصيان مدني وتحركات سلمية في بيروت أشبه بالدخول في غابة من الحراب والسكاكين على «حزب الله» المسلح جيداً أن يستعد لها جيداً وملياً مدركاً نتائجها الوخيمة.بعد عام من الصفعة الأهلية شاء «حزب الله» وجمهور المقاومة أن يتظاهر ويصعد تحركاته السلمية، على ما يعرف بخطوط تماس الحرب الأهلية، أي في المنطقة التي يكون فيها ظهره محمياً ووجهه مكشوفاً. وما لبث أن أدرك أن التظاهر والعصيان والشغب في هذه المنطقة الأهلية «الحرام»، بحسب القاموس العسكري، مكلف بالدرجة نفسها التي يكون فيها العصيان والشغب مكلفاً في المناطق المختلطة من بيروت أو ذات الألوان الطائفية المغايرة للون الواحد الذي يفرضه «حزب الله» على مناطقه.النتيجة واضحة: أدرك «حزب الله» بعد أحداث الشغب الأخيرة أن ميدانه الذي يستطيع التحصن والتحرك فيه من دون عوائق لا يمكن أن يتجاوز المناطق التي أتم إقفالها في وجه كل تنوع، وأن التنوع في حد ذاته يضرب هذا الحزب في مقتل، ويهشم أسباب قوته التي يهدد بها خصومه من اللبنانيين وغير اللبنانيين. ويمكن القول إن الهدوء الذي أعقب عاصفة ما جرى في حوادث الشغب الأخيرة، كشفت أن دوام سيطرة «حزب الله» على المناطق التي مازال يسيطر عليها مرهون باستمرار منطق الحرب الأهلية قائماً. وتمام بيان الحرب الأهلية أن النصر على الخصم مستحيل من جهة أولى، وأن التنوع والاختلاط في المدن اللبنانية قد يصيب الحزب بمرض لا شفاء منه.* كاتب لبناني
مقالات
قوة حزب الله وضعفه تحت سقف واحد
06-02-2008