خيارات استراتيجية عديدة لدول عزيزة علينا انطلقت في نهضتها متأخرة، ولكنها انطلقت من دون توقف... بينما بقينا نحن ندور في تلك الحلقة المفرغة من التردد وتبادل اللوم بين المجلس والحكومة.

Ad

في رحلة هادئة على متن باخرة أبحرت في المتوسط وثبت قبطانها الماهر بوصلته على بعض مرافئ دول البحر المتوسط الجميلة، يتراءى لك الزمن أنه قد توقف عند نقطة التأمل والتفكر في كل شيء جميل وفي مستقبل وطنك، الذي تحمله أينما ترحل وأينما تحل... على متن هذه الباخرة الضخمة تمر أمامك نماذج عديدة من البشر بين أقطار عديدة تتبادل وإياهم أطراف الحديث، وكثير منهم يسألك من أي بلد أنت وعندما تذكر الكويت أو الخليج العربي يبادرك بالسؤال عن دبي والإمارات.

ولا عجب إذا علمت أن العديد منهم يستقي معلوماته عن المنطقة من الإعلام والصحافة العالمية والمواقع الإلكترونية التي لاتغيب عنها أخبار الإمارات أو دبي، على وجه الخصوص، وعما يحدث فيها من تقدم وتحول يسابق الزمن ويختزل الفوارق الحضارية.

لعلنا نتفق أو نختلف مع خيار دبي الاستراتيجي، ولكنه خيار يفرض نفسه على أهله أولاً وعلى العالم... فقد اختارت دبي أن تكون عاصمة الخليج التجارية والترفيهية، وتسابقها الآن، وربما بالسرعة ذاتها، إمارة أبو ظبي التي اختارت أن تكون عاصمة الخليج الثقافية وجدّت في سبيل تحقيق ذلك، وقد فرضت الصفقة التي أجرتها أخيراً مع متحف «اللوفر» الفرنسي أخبارها على الساحة الفرنسية التي انقسمت بين مؤيدين ومعارضين، حيث لم يشهد اللوفر حضوراً خارج فرنسا طوال عمره، ولأول مرة وبموجب أغلى صفقة ثقافية، سترحل مقتنياته إلى عاصمة أخرى خارج باريس، لتشكل حدثاً ثقافياً يعكس خياراً استراتيجياً آخر لإمارة من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومثال قطر لا يغيب عن البال، فهي حددت خيارها في الانفتاح لتصنع قرية تعليمية فريدة تسكنها جامعات عالمية، معظمها لم يغادر أميركا قط إلا ليستقر في قطر... خيارات استراتيجية عديدة لدول عزيزة علينا انطلقت في نهضتها متأخرة، ولكنها انطلقت من دون توقف... بينما بقينا نحن ندور في تلك الحلقة المفرغة من التردد وتبادل اللوم بين المجلس والحكومة، أو قل من التراجع والتخلف ليس عن الآخرين فقط، إنما عن مسيرتنا السابقة التي انفردت بها الكويت عن سواها.

في نهاية رحلتنا البحرية أجاد قبطان السفينة في الإبحار بنا بين موانئ المتوسط المشمسة الجميلة واهتدى بواسطة بوصلته إلى نهاية الرحلة الجميلة التي استمتع بها ركاب السفينة جميعهم... وبقيت، للأسف، بوصلتنا في الكويت تائهة حين ضيعنا الاتجاه بين الحداثة والتراث، وبين الديموقراطية والتسلط، وبين الإقدام والتردد، فيا خوفي على ضياع الوطن... فهل لنا من قبطان ماهر ينتشلنا من ذلك كله؟! نأمل ذلك.