Ad

قد يكون بشار وكذلك جاسم تضررا فعلاً مما حدث، وهما بحاجة إلى رد اعتبار، ولكن المتضرر الأكبر هو أمن الكويت وسمعتها الخارجية.

أظن أن سياسة المرادم لن تتوقف.. ويبدو أن هناك إصراراً على أن يسعى مسؤولونا سعيا إلى الإضرار بأمن الكويت وبسمعة الكويت. وإلا فكيف لنا أن نفسر ما جرى من اقتياد وتربص ببشار الصايغ ومعه جاسم القامس؟ كيف إلا عن طريق المرادم... وهنا نعرض سيناريوهين أحدهما متخيل والآخر واقعي.

السيناريو الأول:

في الساعة الثامنة والنصف من مساء أغسطس حار قائظ قام ضابط في مباحث أمن الدولة بالاتصال هاتفياً ببشار الصايغ صاحب موقع »الأمة» والصحافي بجريدة «الجريدة»، وجرى بينهما الحوار التالي:

مباحث أمن الدولة (ماد): الأخ بشار الصايغ؟

بشار الصايغ (بص): نعم يتكلم معاك.

(ماد): آسفين على الازعاج معاك ... (ماد): ممكن لو سمحت تشرفنا بزيارة في إدارة (ماد).

(بص): خير فيه مشكلة؟

(ماد): لا أبداً.. ولكن عندنا بعض الاستفسارات حول الموقع اللي تديرونه إنت مو عندك موقع الأمة؟

(بص): نعم.. ولكن ما اذكر أن إحنا عملنا شيء يخالف أو يضر بأمن الدولة.

(ماد): إحنا عندنا بعض الاستفسارات اللي نرجو أنك تتعاون معانا فيها.

(بص): أوكي ولا يهمك أي شيء يخدم أمن دولتنا بس وين موقعكم.

(ماد): في جنوب السرة، الشارع الرئيسي تدخل من طريق السفر تكسر يمين مخرج مشرف وبيان راح تشوف المبنى، الحقيقة هذا المبنى كان مصمماً علشان يصير إدارة البريد، لكن صار بقدرة قادر مبنى أمن الدولة.. (ماد) يضحك.

(بص): مستغرباً .. ولكنه يضحك معه وينهي المكالمة بالتأكيد على أنه سيكون موجودا في مقر (ماد) خلال 40 دقيقة تقريباً.

(بص) يصل مقر (ماد) قبل 40 دقيقة ويجد موظفة الاستقبال مبتسمة ترحب به وتسأله عن غرضه من زيارة (ماد) فيذكر لها أن الضابط فلان الفلاني ينتظره .. فتجلسه وتعرض عليه أنواعاً مختلفة من البارد والحار ريثما يصل الضابط فلان الفلاني، حالما يصل الضابط يرحب بـ(بص) ترحيباً حاراً يفوق حرارة شهر أغسطس اللهاب، ويدعوه إلى الدخول إلى (ماد).

واسترسل (ماد) يسأل عن موقع «الأمة» أسئلة تفصيلية.. و(بص) يجيب بتعاون ومن دون تردد.

(ماد): والآن شكراً على المعلومات القيمة التي نعرفها، ولكننا نريد أن نعرف الشخص الذي أرسل مداخلة وجدنا فيها مساساً بالذات الأميرية.

(بص): نحن لا نعرف من يرسل الرسائل، بعض المشاركين نعرفهم، ولكن البعض لا نعرفهم.

(ماد): نحن ندرك ذلك، كما نقدر تقديراً عالياً أنكم قمتم بإزالة المداخلة بعد اكتشافكم إياها ... وهذا دليل على حسكم الوطني العالي.

(بص): شكرا.. فنحن في الأساس نهدف إلى ممارسة حرية التعبير التزاما بمبادئ الدستور وبالتأكيد يتضمن ذلك احترام سمو الأمير وعدم المساس به.

(ماد): هل ممكن أن تزودنا بعنوان «الآي بي» الخاص بتلك المداخلة حتى نصل إلى مرسلها.

(بص): على الرحب والسعة.

وقام (ماد) بمرافقة (بص) حتى الباب مودعاً بما استقبل به من حفاوة وترحيب وعند الباب ابتسمت له موظفة الاستقبال قائلة حياك الله في (ماد).

السيناريو الثاني: (حقيقة ما حدث):

في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم أغسطس حار وفي وسط البلد بشارع فهد السالم وأمام مبنى «الجريدة»، وقفت ثلاثة «سبربانات» تابعة لـ(ماد) تتربص بـ(بص)، الذي خرج ومعه جاسم القامس (جق) فانقضوا عليه انقضاضا ما بعده انقضاض.. وخطفوه عنوة، فما كان من (جق) إلا أن قام بتصوير ما جرى، فتم سحب (جق) عنوة، وتم سحب كاميرته منه، بالإضافة الى هاتفه النقال واستمر مسلسل من التعنيف والإساءة اللفظية وحتى الاحتجاز الذي رافقه تحقيق كان فيه كل من (بص) و(جق)، معصوب العينين، وفي اليوم الثاني تم الافراج عن (جق).. إلا أن (بص) ظل محتجزاً حتى اليوم الثالث، وحين تحرك الإعلام منتقداً هذه الاجراءات وتحركت فعاليات سياسية ومدنية، أحيل (بص) إلى النيابة. وبعد تحقيق استمر حتى العاشرة والنصف ليلاً، اتخذ وكيل النيابة قراره باستكمال التحقيق إلى يوم الغد، إلى أن تم الافراج عنه يوم أمس بعد القبض على مرسل المداخلة فجر الثلاثاء واعترافه.

فأي سيناريو سلكته (ماد)؟ واقع الحال والمنطق يقول لماذا لم تسلك (ماد) السيناريو الأول؟ أظنه كان أقل كلفة؟.. وهل ستحاسب (ماد) نفسها على الدمار الذي أحدثته لسمعة الكويت الخارجية؟ أَوَليست سمعة الكويت في الخارج جزءاً لا يتجزأ من أمن الدولة الذي يفترض أن تكون (ماد) مسؤولة عنه؟ وهل كان ضرورياً أو كانت (ماد) بحاجة إلى اختطاف شباب معروف مكان إقامتهم ومعاملتهم بهذه الطريقة في الوقت الذي من المفترض أن تفتخر الكويت بهم وتدعمهم لابداعاتهم. فنعتذر هنا من بشار وجاسم مادامت (ماد) لم تقم بأي اعتذار، فهي (ماد) على أي حال.

يجوز أن (ماد) «أبخص»، أو كما يقال «الشيوخ أبخص»، فهي تفهم الأمن بطريقتها الخاصة وتقوم إجراءاتها حسب «قواعد الاشتباك» المدونة في كتب الأمن العتيقة التي أكل عليها الدهر وشرب. والثابت لدينا أن (ماد) قد أضرت بسمعة البلاد أيما إضرار .. فعن أي أمن يتكلمون؟ وعن أي دولة يتحدثون؟ وماذا كان يضيرهم لو اختاروا السيناريو الأول، قد يكون بشار وكذلك جاسم تضررا فعلاً مما حدث، وهما بحاجة إلى رد اعتبار، ولكن المتضرر الأكبر هو أمن الكويت وسمعتها الخارجية... ويعلم الله أهمية الأمن الخارجي بالنسبة إلى دولة صغيرة كالكويت، وهو أمن يسهل «جرحه» ويصعب «علاجه»، كما تضررت حريات الكويت التي هي عماد وأساس لأمن الدولة كما يجب أن يكون، لا كما تفهمه (ماد). ولنتذكر جيداً أنه عندما اجتاح الغزاة بلادنا في أغسطس 1990 خلال أربع ساعات كانت بلادنا جريحة ومنتهكة من قبل (ماد) وكانت تفترس ليل نهار.. فليرحمنا الله برحمته.. فبعد نجاح «ترشيد» الكهرباء فقد آن الأوان لحملة ترشيد الأمن.