Ad

إن التعصب الفكري سواء كان ليبرالياً أو دينياً أو غيره يجعلنا نتأخر ونعيش في غابة يملؤها الخلاف الأعمى الذي يكون سيد الموقف، ونترك الأهم وهو النهوض بالبلاد، إن الديموقراطية هي أفعال وليست أقوالاً فقط، وليست كذلك ديموقراطية مزاج يسيّسها من يشاء حسب فكره أو مذهبه.

في الأسبوع الماضي أجرى البرلمان التركي تصويتاً على رفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات، وقد حصل قرار الرفع على الأغلبية العظمى، وهذا لما رأوه من قمع لحرية اختيار المواطنات التركيات المسلمات وحرمان كثير منهن الدراسة، والسبب القرار القسري بمنع الحجاب البعيد عن الديموقراطية.

أردت من هذه المقدمة تسليط الضوء على بعض الممارسات التي تحد من ممارسة الديموقراطية الفعلية في طرح مواضيع ذات رؤية واسعة، فقد تقدم النواب علي الراشد ومحمد الصقر وفيصل الشايع بقانون إلغاء منع الاختلاط، وقد جاء هذا الطلب على طبق من ذهب خصوصاً لحركة «حدس»، وكان من البديهي أن يلاقي هذا الاقتراح المعارضة ليس من الإسلاميين الذين شنّ بعض الكتاب عليهم حملة مضادة، ووصفوهم بنواب التخلف والرجعية، وأن الدولة اختطفت من قبل هؤلاء، ونسوا أن من اختطفها هم سراق المال العام والمحسوبية فحسب، بل من كثير من المواطنين المعارضين لهذا القرار، وكذلك المؤيدين له، فما قام به النواب الأفاضل من تقديم الاقتراح إنما نابع من قناعاتهم الشخصية التي تحتمل الخطأ والصواب، فرأوا فشل تطبيقه في الجامعات، وبناء عليه سيتم تقديمه إلى مجلس الأمة وإجراء التصويت عليه والحكم هو التصويت، وهذه هي الديموقراطية كما فعل البرلمان التركي، وألغى قرار الحظر بأغلبية الأعضاء المؤيدين، على الرغم من وجود معارضين، ولذلك رضوا بالتصويت من دون المساس بالأديان.

فعلى المعارض والمؤيد أن يحترما الآراء المختلفة بغض النظر عن أحقية المقترحات، فالديموقراطية للكل وليست حسب مفهوم البعض بأن من يتبع فكري فهو معي، وأما غير ذلك فهو رجعي متخلف، ونسي حرية الرأي والتعبير الحر المكفولة للكل وحرية الاختيار، فالقضية ليست مع الاختلاط أو ضده، بل هي قضية ديموقراطية شمولية يرجع فيها الأمر إلى المساس بحقوق الآخرين لحرية الاختيار فيها، بل يجب علينا الدفاع عن الحقوق الدستورية المكفولة في اختيار نوعية التعليم من قبل الأهل للأبناء، وإن كان هذا الاختيار مختصاً بالأبناء فقط من دون غيرهم، أما توحيد الفكر واتباع نمط فكري واحد فهذه دكتاتورية بعيدة كل البعد عن الديموقراطية، وهي تحرم الرأي الآخر من إبداء وجهة نظره تحت اسم الحرية وتطوير التعليم أو عدمه، وهو المسمى «بالإرهاب الفكري».

إن التعصب الفكري سواء كان ليبرالياً أو دينياً أو غيره يجعلنا نتأخر ونعيش في غابة يملؤها الخلاف الأعمى الذي يكون سيد الموقف، ونترك الأهم وهو النهوض بالبلاد، إن الديموقراطية هي أفعال وليست أقوالاً فقط، وليست كذلك ديموقراطية مزاج يسيّسها من يشاء حسب فكره أو مذهبه، بل إن أي قانون يثبت فشله أو عدم صلاحيته، وفيه نوع من هضم حقوق بعض المواطنين يجب تعديله مع احترامنا لوجهات النظر المختلفة، سواء كان هذا القانون أو غيره، مثل القانون السيئ الذكر الذي يمنع المرأة من العمل ليلاً، وباعتراف إدارة الفتوى والتشريع بخلله لما يشوبه من شبهات دستورية.

أردت -متجرداً من التعصب الأعمى- من طرح هذا الموضوع الذي كثر اللغط فيه، تسليط الضوء عليه، وإن كنت أرى فشله وخدمته للإسلاميين لحفظ ماء وجوههم بعد تردي شعبيتهم. وكما قال الإمام مالك رحمه الله: «كل يأخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر» وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال رئيس مجلس الوزراء التركي رجب أردوغان: «إن رفع الحظر عن ارتداء الحجاب لن يزيد الضغط على غير المحجبات لارتدائه، فنحن هنا الكل يقوم بواجبه ولا أحد ينبغي أن ينزعج لهذا...».

***

أهنئ الزميلة صحيفة «الرؤية» والعاملين عليها بمناسبة صدور عددها الأول يوم الأحد الماضي متمنياً لهم التوفيق والنجاح ومزيداً من الرقي والإصلاح وأن يكونوا منبراً للحرية وأمانة الكلمة. ألف مبروك لعائلة الصحافة.