«نيل الصغيرة» في المسرحية الجديدة لسيمون غراي التي تحمل العنوان ذاته ليست الشخصية نفسها في رواية «ذي أولد كوريوزيتي شوب». إنها شخص حقيقي. ورغم أهميتها بالنسبة إلى تشارلز ديكنز، لم تذكر في سيرة حياته الرسمية. كانت إلين لاولس تيرنان طوال السنوات الثلاث عشرة الأخيرة من حياة ديكنز عشيقة أكثر الرجال شهرةً ووقاراً في العصر الفكتوري. ولشدة ما كان موقراً حاولت عائلته والمعجبون به طوال أكثر من مئة عام بعد وفاته التقليل من أهمية علاقتهما. وبعد أن كشفت هذه العلاقة للعلن منذ 1934 تم وصمها فوراً بالكذبة المعيبة وقالت كلير تومالين إنه حتّى بعد نشر سيرة حياة تيرنان في كتاب «ذي إينفيزيبيل وومن» في العام 1990 «قدم إليّ أحد السادة الذين ينتمون إلى جمعية أصدقاء ديكنز وقال: أنت لا تظنين فعلاً أنه كان لديه عشيقة، أليس كذلك؟» تتطرق مسرحية غراي المقتبسة من كتاب تومالين إلى العلاقة والمحاولات الساعية إلى إخفائها أو إنكارها. تمتزج المشاهد بين ديكنز (مايكل بينينغتون) وإيلين (لو بريلي) في مواجهات حصلت بعد 50 عاماً بين هنري، ابن ديكنز (تيم بيغوت-سميث) وجيفري ابن إيلين الذي يرغب في معرفة حقيقة والدته المتوفاة. إيلين تيرنان التقت ديكنز في 1857، وكانت في الثامنة عشر من عمرها وهو في الخامسة والأربعين. كانت تنتمي إلى عائلة مؤلفة من ثلاث بنات جميعهن ممثلات على خشبة المسرح، شأنهنّ شأن والديهنّ. لكن لا أحد من عائلة تيرنان سطع نجمه غير أنهم كانوا ذوي سمعة محترمة وعرف الوالدان بأدوارهما الشكسبيرية. أما فاني شقيقة إيلين التي أصبحت روائية لاحقاً فتزوجت من شقيق أنطوني ترولوب. ورغم جولات إيلين المستمرة فإنها لم تسمح لها بتلقي التعليم التقليدي. كانت تجيد القراءة وعندما قرر كل من ديكنز وصديقه ويلكي كولينز إنتاج مسرحية كتباها معاً عنوانها «فروزن ديب»، وقع اختيارهما على إيلين وشقيقتيها ووالدتهنّ الأرملة. كان ديكنز النجم الذي لا يقاوم نظراً الى حماسته وقوة شخصيته وطاقته الهائلة. وإذ أدرك ديكنز أن إيلين هي المرأة التي كان يبحث عنها طوال حياته جعلها تقيم في أماكن مختلفة في لندن أو قريباً منها فأعالها حتى وفاته في 1870. حصل ذلك كله بمنأىً عن الأنظار. تقول تومالين إن الناس كانوا ينظرون إلى ديكنز باحترام وكان يحرص وجمهوره على المحافظة على تلك الصورة المميزة. تقول تومالين: «لو خسر حب جمهوره ودعمه لكان خسر أيضاً المدخول الذي كان يكسبه». أكثر من ذلك، لكان فقد الطمأنينة الى أن ديكنز الذي ترعرع في الفقر والإهمال والعار بسبب سجن والده زال من الوجود. غضب وشائعاتفي الواقع، لم يستطع ديكنز الإعلان عن القصة الحقيقية، لكنه أفصح عن الوقائع التي تحيط بها وجمعها في رواية أصرّ أن يتقبلها قراؤه. هجر زوجته بعد زواج دام 22 عاماً مصطحباً أولاده الذين يعيلهم وشقيقة زوجته جورجينا هوغارث التي كانت فرداً من الاسرة. كتب إلى صديقه شارحاً السبب، أي إدراكه أن زوجته والدة سيئة. ولشعوره بالغضب إزاء الشائعات التي طالت إيلين تيرنان، وضع ديكنز بشكل مفاجئ إعلاناً في جريدة «تايمز». كان بحسب تومالين «من الرجال الذين لا يجب أن يكونوا مستقيمين فحسب، إنما أن يثبتوا استقامتهم للجميع». أعلن أن التقارير التي لا يعرّف عنها حول أشخاص لم يسمّهم وتتعلق بالانفصال عن زوجته هي غير صحيحة. هذا الأمر ضاعف الفضول لدى المراسلين الذين راحوا يحاولون تبديد الغيوم عن ذاك الغموض. لكن المفاجئ أن ديكنز نجح في إسكات الشائعات. ساعده في ذلك تقرير الطبيب الذي دحض الادعاء بأن جورجينا عشيقته وأثبت عذريتها. منذ ذلك الحين، وبعدما عرفت والدة ألين بأمر علاقتهما ووافقت عليها، كان ديكنز وإيلين مأمن من الفضيحة. لكن حادثةً استثنائية رهيبة كشفت أمره. في 1865 كان مسافراً على متن القطار بصحبة إيلين ووالدتها عندما أدى حادث على جسر قرب ستابلهيرست في كينت إلى وقوع بعض الأحمال في مجرى النهر. بعد التأكد من سلامة عائلة تيرنان أدار لهما ظهره ليؤدي دوره على الملأ. عبّأ قبعته بالمياه وأخرج دواءه المخدر وعاد لإسعاف الجرحى. لقي تصرفه هذا استحسان الركاب، غير أن المرأة التي لم يشأ أن يراه أحد برفقتها شعرت بأنه تخلى عنها. كتب انه كان يتقاسم المقصورة مع غريبين وامرأة شابة وأخرى عجوز. لم يدرك حجم الجرح الذي تسبب به لإيلين، لكن ديكنز راح يشير إليها لاحقاً في رسائله الموجهة إلى أصدقائه بـ«المريضة». بعد أشهر قليلة من نشر كتاب تومالين أخبرها أحد القراء قصة رائعة مفادها أن ديكنز لم يتعرض للأزمة القلبية التي أودت بحياته في منزله الخاص، كما يعتقد الجميع، بل في المنزل حيث كان يزور إيلين تورنان. كان أحد أجداده كاهناً في الكنيسة المحاذية للطريق. وبعد التقصي عنه اتضح لتومالين ان الأمر يتعلق بالحقائق التي لا تقبل الشك في أواخر أيام ديكنز ويفسر العديد من التناقضات. استخدم غراي هذه المعلومة في المشهد الأخير من المسرحية بين العاشقين عندما كانت إيلين تشعر بالرعب من فكرة أن يموت ديكنز في منزلها، وتضاعف ذلك الحاجة إلى إبقاء الأمر سراً. لكنّ ثمة تفصيلاً واحداً لم تعلم به تم الكشف عنه في وصية ديكنز إذ جعلها المستفيدة الأولى من تركته. إنجازاتتقول تومالين إنه بعد وفاة ديكنز «راح أصدقاؤه وعائلته يستخرجون في أنحاء إنكلترا الحوادث من ذاكرة الناس لجمع إنجازات ديكنز الأدبية والشخصية. لكنهم تجنبوا بشكل قاطع عائلة تيرنان». في القرن العشرين رفض قراء ديكنز أن ينسبوا إليه أعمالاً معيبة وإنسانية كالجنس، هو الذي كان بالنسبة إليهم الأب المثالي والطفل الحساس. مع ذلك، وقبل وفاة إيلين، باحت هذه الأخيرة بسرها لأحد رجال الدين، معترفة بأنها يوم كانت عشيقة ديكنز كانت الناحية الجسدية من العلاقة تشعرها بالقرف. بعد مضي ست سنوات على وفاة ديكنز تزوجت إيلين من مدير مدرسة يدعى جورج وارتون روبنسون. كانت إيلين تكبره باثني عشر عاماً غير أنها أخبرته أن فارق السن بينهما سنتان فقط. لم يعرف إن كان الزوج علم بماضي إيلين، لكن أولادها بلى. في العام 1914، في 44 عاماً على وفاة ديكينز، لحقت إيلين به واكتشف ابنها وابنتها من بعض المذكرات التي تركتها أنها اقتطعت 10 أعوام من عمرها وأنها ممثلة وأنها كانت على علاقة طويلة وحميمة مع الروائي. وبعد ملاحقته تلك المسألة اكتشف الابن جيفري الحقيقة. توفي في 1959، لكن تومالين أجرت مقابلة مع ابنته. تقول تومالين: «أشعر بالأسف حيال جيفري. أخبرتني ابنته أنه لم يكن ليسمح بوجود أي كتاب لديكنز في المنزل». تعرض المسرحية في «ثياتر رويال باث» إلى 25 آب / أغسطس.
توابل - ثقافات
ليتل نيل تروي علاقة ديكنز بالممثلة الشابة إيلين تيرنان مسرحياً
24-07-2007