تأليف سليمان الشطي

عن دار العروبة

Ad

حين يعتزم كاتب ما، سواء كان باحثاً أو ناقداً أكاديميًا التصدّي لحركةٍ أدبية يتجاوز عمرها أكثر من مئة وخمسين سنة، فإنّ الأمر أشبه بالسير في رمال متحركة، أو محاولة لملمة خيوط تضربها الرياح يمنةً ويسرةً. ذلك بالتحديد ما يمكن أن نستشعره من قراءة كتاب الدكتور سليمان الشطي، الصادر حديثاً تحت عنوان «الشعر في الكويت»، ويغطي الفترة الزمنية بين عامي 1800/2007م. ويحاول الباحث جاهداً أن يرصد أو يترصّد الحركة الشعرية التي نشأت مع بداية تكوين الدولة الحديثة في الكويت، ويمثّلها شعراء من أمثال عثمان بن سند، عبد الجليل الطباطبائي، خالد العدساني، وعبدالله الفرج، مع الإشارة إلى درجة الاختلاف الكبيرة بين هؤلاء الشعراء من حيث الكمية المقدمة والتصنيف الفني لمستوى نصوصهم الشعرية.

يقسّم د.الشطي كتابه اثني عشر فصلاً تتوزّع على النحو الآتي: الفصل الأول تحت عنوان «الروافد تتشكّل» ويعرض فيه الإرهاصات الأولى لكتابة القصيدة في الكويت، ولاسيما جيل العشرينات وطلائع الشعراء أمثال: صقر الشبيب، وخالد الفرج، وأما الفصل الثاني فهو تحت عنوان: «الخروج عن المألوف»، ويتعرّض فيه للشاعرين فهد العسكر وعبد المحسن الرشيد، والفصل الثالث: «تفاعل سياسي واجتماعي»، والرابع: «مفصل الحداثة»، الخامس: «جيل الستينات»، والسادس: «في أعقاب مرحلة التأسيس»، والسابع: «المرأة تتقدم»، والثامن: «قديم يتجدّد»، والتاسع «جيل جديد يتقدّم»، والعاشر: «خارج النسق»، والحادي عشر: «النص المجاور»، والثاني عشر: «الشعر على بوابة قرن جديد».

 

أجيال أدبية

لعلّ ما تجدر الإشارة إليه أنّ الدكتور الشطي يقسّم الشعراء في كتابه أجيالاً شعرية في حركة تراتبية تبدأ بالقديم وتنتهي إلى أحدث الحديث والجيل المعاصر من الشعراء من أمثال عبد العزيز النمر، محمد هشام المغربي، علي حسين محمد، حمود الشايجي، سعد الجوير، ماجد الخالدي، وإن كان لا يعتمد في شكلٍ واضح التراتب الزمني بحسب عمر الشاعر وتاريخ ميلاده، بل يستقصي تطوّر القصيدة والتحولات التي تطرأ على الكتابة الشعرية حسب ما تقتضيه الرؤى والتصورات والمضامين الشعرية، وكذالك اللغة والأسلوب الفني، ويتضح ذلك أكثر ما يتضح حين ننظر إلى الفصل التاسع من الكتاب، حيث نجد المؤلف يذكر الشاعر د.عباس سالم خدادة ضمن جيل يضم كلاً من: صلاح دبشة، نشمي مهنا، ابرهيم الخالدي، علماً أنه من حيث الامتداد الزمني لا يمكن أن نجمع هؤلاء الشعراء جميعًا ضمن جيلٍ واحد. كذلك فإنّ الفارق الزمني واضح جداً بين الشعراء: فاضل خلف، عبد العزيز البابطين، خالد الشاجي، ورجا القحطاني، كل ذلك يكشف لنا أنّ عمر الشاعر الحقيقي ليس هاجساً يشغل المؤلف بقدر ما يشغله عمره الفني، وتطور تجربته الشعرية .

 

الحالة الشعرية

والطريقة التي يتبعها الشطي في كتابه ليست طريقة عرض تقليدية تستند الى المنهج التاريخي فحسب، إنّما يقدّم دراسةً تحليليةً ومنهجاً نقدياً يستقصي الحالة الشعرية والخصائص الفنية لكلّ شاعرٍ على حدة، ولا يحبّذ الشطي كثيرآ التقيد بمنهج نقدي محدد يمثل أياً من الاتجاهات الأدبية المعاصرة، أو المناهج النقدية الحديثة، بل هو يترك الحالة الشعرية لكلّ شاعر أن تحدّد اتجاه القراءة ومسارها الصحيح. هذا المسلك في الكتابة النقدية هو غاية في الذكاء والشفافية العلمية، فما أسهل أن يسطّر الباحث المصطلحات النقدية ويفصّل عليها النصوص الشعرية كيفما شاء. لكنّ السؤال الملح هنا: هل تمثل قراءة كهذه الطريقة السليمة في النقد؟ وهل تلامس جانباً من ذواتنا أو تتصل بنقطة العبور المشتركة بين الشاعر والقارئ/الناقد/المتذوق؟ يقدّم د.الشطي نبذةً مختصرةً عن حياة كل شاعر قبل التطرّق الى أعماله الإبداعية، لكنه لا يعتمد كثيراً على منهج التحليل النفسي أو السوسيولوجي الواقعي. وكما ذكرنا فإنّها دراسة مفتوحة على كلّ الاحتمالات، وفي المجمل هذا العمل الأكاديمي الصرف والدراسة البحثية المضنية في تعقّب الشعراء وملامسة الخصائص الفنيّة لكلّ شاعر على حدا، جهد لا يحتمل غير الثناء، ولاسيما إذا وضعنا في اعتبارنا ندرة الأبحاث والدراسات التي تستقصي تاريخ الكتابة الشعرية في الكويت منذ البدء إلى يومنا هذا. ثمّة بالتأكيد دراسات تتطرّق للحالة الشعرية في الكويت، لكنها غالباً ما تختص بفترةٍ زمنيةٍ محددةٍ، مثل جيل التسعينيات أو شعراء القصيدة المعاصرة ونحوه.

 

نموذج تحليلي

ما يضيء جانباً من أسلوب الدكتور الشطي وآليته في قراءة النصوص هذا المقطع من قصيدة الشاعر إبراهيم الخالدي وآلية قراءته. يقول الخالدي:

عاد من حيث جاء

الفتى الهاشمي النقي الرداء

كان في مصر والشام والنهروان

وكان إماماً بقصر الخليفة حيناً

وسجن الخليفة حيناً

وفي معصمه بلاء بيوم حنين

وفي مقلتيه حنين لكرب البلاء

في قراءته لهذا المقطع الشعري يقول د. الشطي: «في هذا المقطع تجمعت مؤشرات، أبرزها مؤشر المكانية، مصر والشام والنهروان، ومؤشرات الحوادث: إمام في قصر الخليفة وسجنه. نتذكر هنا أنّ الإمام الرضا، الإمام الثامن كان وليًّا لعهد المأمون، ثم تمّت محاصرته. وفي النص أيضاً تذكير تاريخي ثم تلميح وإيماءة إلى يوم كربلاء، هذه الإشارات تقدم زخم الإيجاز والتركيز، الذي يبدو واضحاً من خلال الربط ودمج التجارب فيتمّ التوحّد بين المتحدث في القصيدة وهذا الفتى الهاشمي (...)».