تعقيباً على الندوة التي نظمها مركز دراسات الخليج والجزيرة العربية بجامعة الكويت مساء 5 ديسمبر الجاري، تحت عنوان «فوائض عوائد النفط لدول الخليج، الكويت نموذجا»، نشر بعض الاخوة من الاقتصاديين في عدد من الصحف ردودا وملاحظات تتعلق بالرأي الذي عرضته في تلك الندوة، حيث أشرت في مقدمة ذلك العرض إلى وجود قدر كبير من المبالغة في الحديث عما يسمى بفوائض النفط، وأن وسائل الإعلام تحمل هذه الفوائض أكثر مما تحتمل، وأن الزيادة في عوائد الدول المصدرة للنفط أي «الفوائض» أقل من الحاجة الفعلية لهذه الدول لو قررت أن تستغل هذه الفوائض في مشروعات إعادة تأهيل بنية صناعتها النفطية، أو المشروعات التنموية الطموحة القادرة على تنويع مصادر الدخل.

Ad

فأنا لم أنفِ وجود الفوائض كما ذهب رأي أحد الاقتصاديين في تعقيبه على هذا التوجه، وإنما أشرت إلى أهمية عدم المبالغة في تقييمنا حجم هذه الفوائض، وتأكيدا على ذلك اقترحت إنشاء إدارة متخصصة لاستغلال «الفوائض» في مشروعات محلية منتجة، بدلا من مواصلة توجيهها إلى استثمارات مالية خارجية، كما أشرت إلى «ان هناك عدة استحقاقات تنموية تتطلبها الفترة المقبلة تحتاج إلى مبالغ تفوق الزيادات أو «الفوائض» المتحققة أو المتوقعة، وأشرت في ذلك السياق إلى ستة مجالات يمكن توجيه هذه الفوائض إليها.

من جانب آخر، رأى أحد الاخوة المعقبين عدم جواز المقارنة، التي عقدتها بين الدخل الذي تحققه دول النفط ودخول بعض الدول أو الشركات التي تفوق أحجام دخلها أو مبيعاتها حجم الدخل الذي تحققه دول مجلس التعاون مجتمعة، وفي الحقيقة فان تطرقي إلى هذه البيانات كان قد ورد ضمن سياق القول بأن «ما تحققه دول المجلس من عوائد من صادراتها النفطية لا يعد كبيرا بمقاييس الثروة العالمية أو الدخل العالمي»، حيث أشرت إلى «أن عوائد دول مجلس التعاون من النفط قد بلغت خلال الفترة من 2002 حتى 2006 ما مقداره 1.542 تريليون دولار أي ما متوسطه 308 مليارات دولار سنويا»، وأن هذا المبلغ «يعادل 3% فقط من الناتج المحلي للصين و2.37% فقط من الناتج المحلي للولايات المتحدة و7.3% من ناتج اليابان و7.6% من ناتج الهند، بل هو اقل من الناتج المحلي للمكسيك الذي يمثل 3.5% ناتج دول المجلس، بل واقل من الناتج المحلي لبنغلادش»، وضمن هذا السياق كانت أيضا الإشارة إلى مداخيل بعض الشركات العالمية.

أما ما ذهب إليه معقب ثالث بالقول ان الرأي الذي عرضته لا يقلل فقط من ضرورة قيام دول الخليج بواجبها في إعادة توزيع الثروة النفطية، بل يحد أيضا من توجيه الفوائض للمشاريع الكبرى، باعتبار أن الفوائض ليست بالأهمية التي اعتقدها، فلست أعرف كيف يستقيم هذا الرأي مع انتقادي في تلك الندوة للعوامل السلبية التي تؤثر في عدم قيام دولة الكويت باستغلال دخلها الإضافي في فترات الزيادة في أسعار النفط على نحو فعال في مشاريع تنموية منتجة، حيث قلت نصا «إن جوهر المشكلة هو غياب الرؤية التي تحدد الخطة الإستراتيجية التي يتم على ضوئها رسم الخطط التنموية الخمسية، وتوفير فرص نجاحها من خلال تهيئه القدرات والإمكانات والموارد اللازمة لتنفيذ برامجها»، و«ان كل ما لدينا هو مجرد ملامح لرؤية ضبابية ذات أهداف ومعالم غير واضحة، وغير متفق عليها من قبل كل شرائح المجتمع. ولذلك، لا يوجد لدينا تنمية بالمفهوم الحقيقي بل نمو عشوائي لا توجهه خطة أو إدارة للتنمية».

ولا يفوتني في معرض هذا التوضيح أن أؤكد أن الزيادة المتحققة في أسعار النفط إنما هي زيادة اسمية في مجملها، إذ يأكل التضخم في أسعار السلع الرأسمالية والاستهلاكية جانبا منها، بينما يأكل الانخفاض في سعر صرف الدولار الأميركي الجانب الآخر، إن سعرا للبرميل يعادل 102 دولار في نهاية العام الجاري لا يزيد على سعر قيمته 35 دولارا في عام 1980 عند النظر إلى القدرة الشرائية لهذا المبلغ، وهذا يؤكد من جديد حجم المبالغة في القيمة الحقيقية للفوائض.