تتلقى أم عبدالله، وبصورة مفاجئة، ورقة من المحكمة تطلب حضورها بالسرعة الممكنة، وعلى الرغم من انتهاء عملية تسوية طلاقها مع زوجها السابق، التي تمت من دون مشاكل تذكر، خصوصا في ما يتعلق بتخصيص يوم أسبوعيا لطليقها لرؤية ابنه، فإن الأسئلة تتلاحق أمامها خشية ان يكون صدر مجددا حكم ضدها أو ما شابه، تسارع أم عبدالله الى الاتصال بمحاميها لاستطلاع الأمر، ليخبرها لاحقا أن طليقها طلب من المحكمة استدعاءها لتغيير يوم إجازته مع ابنه من الخميس إلى السبت.

Ad

هذه حال من آلاف متوقعة، تبين كيف أن عطلة الخميس خلقت نوعا من الارتباك والقلق لدى الناس، مع اختلاف الأوضاع والظروف لكل شخص، بينما تعد الأسابيع القادمة بـ«لخبطة» جداول مواطنين ومقيمين كثيرين في البلاد.

بعد 21 عاما من بدء إجازة الخميس في وزارة التربية، وانقضاء نحو 15 عاما على بدء تطبيقها في وزارات الدولة، يسدل الستار غداً على عطلة الخميس، ليتم ترحيلها الى السبت لدواع اقتصادية بحتة بعيدا عن كل التأويلات.

اللقاءات العائلية الأسبوعية أو ما يسميه الكويتيون «زوارة الأسبوع» تتخذ عادة من يوم الخميس موعدا لها، كي يجتمع أفراد العائلة على مأدبة الغداء، لكن عائلات كثيرة ارتأت تحويل الغداء إلى العشاء أو ترحيل لقاءاتها إلى الجمعة، وهذا بمنزلة عبء جديد وتغيير لروتين اعتادت عليه فترة طويلة من الزمن، وعلى الجانب الآخر سببت عطلة الخميس خللا لجدول مرتادي الشاليهات، حيث كان هؤلاء يفضلون غالبا شد الرحال يوم الأربعاء والعودة مساء الجمعة والاستمتاع بليلة الخميس الحافلة. عطلة السبت أصبحت اليوم واقعا جديدا للكويتيين، وأصبح لزاما على الجميع مسافرين وتجارا وطلاب مدارس وموظفين تقبله بسعة صدر أو... على مضض، مع قناعتهم بأنه أمر واقع جديد حتمته ظروف غير دينية بل اقتصادية بحتة.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: من الذي قام بترتيب أيام الأسبوع عندنا لتبدأ بالسبت وتنتهي بالجمعة؟ ومن الذي حدّد يومي الخميس والجمعة عطلة لنهاية الأسبوع دون غيرهما من أيام الأسبوع؟

يمكننا معرفة التسلسل التاريخي للأسماء التي أطلقت على أيام الأسبوع قبل أن تستقر على ما هي عليه الآن اسما وعددا، بالرجوع إلى عالم الرياضيات والفلك والتاريخ واللغة والأدب محمد بن أحمد البيروني، الذي أكد أنها مرت بثلاث مراحل مختلفة، اختلفت فيها أسماء الأيام، كما اختلفت أيضا أعدادها في الأسبوع الواحد، ففي المرحلة الأولى كانت الأسماء تُطلق على كل ثلاث ليال - على سبيل المثال: أول ثلاث ليالٍ كانت تُسمى الغرر، وثاني ثلاث ليال تسمَّى النفل، وهكذا حتى عاشر ثلاث ليال وكانت تسَّمى المحاق، وكانت الأسماء مأخوذة من أطوار القمر وأحواله، وبهذا كان الشهر العربي يتكون من عشر مجموعات، وكل مجموعة تتكون من ثلاث ليال، والشهر فيه خمسة أسابيع، ويتكون الأسبوع الواحد من مجموعتين من العشر، أي من ست ليال.

ثم جاءت المرحلة الثانية، وفيها أصبح عدد أيام الأسبوع عند العرب سبعة أيام، ولكنها كانت بأسماء مختلفة، اللافت أنها تبدأ بيوم الأحد، وكان يسمى «أول» على اعتبار أنه أول أيام الأسبوع عند العرب، وتنتهي بيوم السبت، وكان يسمى «شيار» والمرحلة الثالثة، وهي التي استقرت فيها أسماء أيام الأسبوع على الأسماء المعروفة بها حاليًا، فيذكر البيروني أنها كانت تبدأ بيوم الأحد، بمعنى واحد مثل «قل هو الله أحد»، ويليه يوم الاثنين وهو ثاني أيام الأسبوع، وهو سبب تسميته بهذا الاسم، وهكذا حتى يوم الخميس، وهو خامس أيام الأسبوع، ويلي الخميسَ يومُ الجمعة، الذي كان يسمى في السابق يوم عَروبة، أي يوم العرب، ثم سمّي بالجمعة لاجتماع الناس فيه للصلاة وغيرها، أما يوم السبت فقد سمي في إشارة الى الراحة والسكون، ومن «السبات» بمعنى الانقطاع.

ويجد المتتبع لهذه الأفكار ان المصادر التراثية العربية في معظمها تتفق مع التغيير الحاصل حاليا في توزيع أيام العمل والعُطَل في الدولة، ولا تتعارض مع التصور العربي الأصيل عن كل يوم منها، رغم ما يذهب إليه البعض من اعتبار هذا التغيير تبعية للغرب.

وإذا كانت العرب قد بدأت أسابيعها بيوم الأحد، ويؤكد ذلك التطابق الحاصل بين معاني أسماء الأيام وترتيبها عندهم، كما تذكرها المصادر العربية القديمة، فما سيحدث هذا الأسبوع في الكويت لأول مرة في تاريخها هو تطبيق عملي وواقعي لهذا التصور، الذي ذكره البيروني والقلقشندي وغيرهما من علماء العرب قديما، وهي تجربةٌ لوجه آخر من وجوه ترتيب أيام الأسبوع المذكورة في تلك المصادر، تتسلسل فيه أيام الأسبوع من الأحد إلى الخميس وكأنها تحدد نفسها أياما متتالية للعمل والسعي الى كسب الرزق، ويبقى يوم الجمعة على حاله يوم عيد المسلمين واجتماعهم إلى صلاتهم وصلتهم لأرحامهم. وبموجب التغيير يعود السبت يوم راحة وسكون وسبات، ويرجع الخميس إلى موقعه الطبيعي، لينتقل من دائرة الظل إلى دائرة النور، ويصبح يوم إنتاج وعمل، بعد أن كان يوم راحة وكسل.