Ad

أزعم أن رد الوزير على الاستجواب، الذي يمارس فيه حق الدفاع في ما وُجه إليه من اتهامات، وما نُسب إليه من وقائع، يجب أن تكون له الأولوية على التخلي عن المنصب الوزاري، سواء كان بقبول استقالة الوزير أو بإعفائه من منصبه.

تناولنا في ما تناولناه من القضايا الدستورية التي أثارها الاستجواب في مقال الاثنين 12/11 حق الوزير الدستوري في الرد على الاستجواب، كما طرحنا في مقال الاثنين الماضي التدوير الوزاري استقلالاً عن التخلي عن المنصب الوزاري، وإن كان فرعاً أو جزءاً لا يتجزأ منه لما أثاره ويثيره من تساؤلات منها الصلاحيات الدستورية المطلقة للأمير في اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء وتدويرهم، وأن هذه الصلاحيات لا يجوز أن تكون محلاً لاستجواب، ونستكمل في هذا المقال، موضوع التخلي عن المنصب الوزاري باعتباره إحدى النهايات التي ترتب عليها سقوط أحد عشر استجواباً من أصل 39 استجواباً قُدمت منذ بدء الممارسة البرلمانية لهذا الحق الدستوري لنضع النقاط على الحروف عن أسباب التخلي عن المنصب الوزاري، وأولوية مناقشة الاستجواب عليه، حرصاً على الاستقرار، وإنفاذاً لنصوص الدستور وروحه.

وقد حددت المذكرة التفسيرية للدستور - وهي لها قوة الدستور في تحديد مقاصده - الدوافع والأسباب التي تدعو إلى التخلي عن المنصب الوزاري، إثر استجواب يُقدم إلى الوزير، فذكرت أسباباً ثلاثة:

الأول: إن تجريح الوزير أو رئيس مجلس الوزراء بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة أو عدم التعاون كفيل بإحراجه والدفع به إلى الاستقالة، إذا ما استند هذا التجريح إلى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد أصداؤها في الرأي العام.

الثاني: إن هذه الأصداء ستكون تحت نظر رئيس الدولة باعتباره الحكم النهائي في كل ما يثار بشأن الوزير أو رئيس مجلس الوزراء، ولو لم تتحقق في مجلس الأمة الأغلبية الكبيرة اللازمة لإصدار قرار «بعدم الثقة» أو «بعدم التعاون».

الثالث: إن شعور الرجل السياسي الحديث بالمسؤولية الشعبية والبرلمانية، وحسه المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح قد حملا الوزير البرلماني على التعجيل بالتخلي عن منصبه إذا ما لاح له أنه فاقد ثقة الأمة أو ممثليها.

وتستطرد المذكرة التفسيرية للدستور، بعد شرح البواعث والدوافع التي تدفع إلى التخلي عن المنصب الوزاري، سواء باستقالة الوزير وقبولها أو بإعفاء الوزير من منصبه والتي تناولت من هذه البواعث والدوافع حس بعض الوزراء المرهف من الناحية الأدبية لكل نقد أو تجريح إلى التعجيل بالتخلي عن مناصبهم، فتقول المذكرة:

«وقد بلغت هذه الحساسية أحياناً حد الإسراف مما اضطر بعض الدساتير الحديثة الى الحد منها حرصاً على القدر اللازم من الاستقرار الوزاري».

وفي اعتقادنا أن الحرص على الاستقرار الوزاري ليس الهدف الوحيد للحد من الإسراف في التخلي عن المنصب الوزاري، بل يشاركه في ذلك أهداف أخرى، وإن لم تتناولها المذكرة التفسيرية، هي، حماية العدالة، من ناحية، وحق الشعب في أن يعرف الحقيقة في كل ما أُسند إلى الوزير من وقائع وما وُجه إليه من اتهامات من ناحية أخرى، بل وكذلك حق ممثلي الأمة في المجلس في الاطلاع على هذه الحقيقة، التي ألقى الاستجواب ظلالاً من الشبهات عليها، بدليل ما نصّت عليه اللائحة الداخلية من أنه عند نزول المستجوب عن استجوابه أو غيابه عن الجلسة، فإنه يمكن لعضو آخر أن يتبناه.

فحماية العدالة يجب ألا تغيب عن البال في استقالة الوزير أو إعفائه من منصبه، ووسيلتها حق الوزير في الرد والدفاع عن نفسه وتصرفاته أمام مجلس الأمة، خصوصاً أنه قد سوّد الاستجواب صفحات الصحف بسيل من الاتهامات التي طويت عليها صحيفته، وتمت محاكمته عنها على هذه الصفحات والصحف وفي الدواوين وفي مجالس المواطنين الخاصة والعامة، بل وعلى الفضائيات، وما قد يشيعه ذلك في الرأي العام من مشاعر ليست كلها ودية.

لا يجوز كذلك أن يغيب عن البال الحفاظ على هيبة الحكم، لأن تخلي الوزير عن منصبه الوزاري قبل مناقشة الاستجواب قد يفسر على التسليم بالوقائع والاتهامات الواردة في الاستجواب، وهي اتهامات قد يكون فيها مساس بكرامة الوزير أو بكرامة المسؤولين، أو بذمته وذممهم المالية، بما ينال من سمعة الوزير وهيبته، بل ومن هيبة الحكم التي هي من هيبة الدولة.

الأمر الذي أزعم معه أن رد الوزير على الاستجواب، الذي يمارس فيه حق الدفاع في ما وُجه إليه من اتهامات وما نُسب إليه من وقائع، يجب أن تكون له الأولوية على التخلي عن المنصب الوزاري، سواء كان بقبول استقالة الوزير أو بإعفائه من منصبه.

ومصداقاً لذلك ما فعله وزير التجارة والصناعة السيد/ خالد العدساني عندما أعلن عن أمنيته بقبول استقالته بعد أن تم التصويت على طرح الثقة به، وجدد المجلس ثقته به في جلسة 23/4/1974، وكان قد قدم استقالته منذ شهور سابقة على الاستجواب، ولم يُبت فيها، فقد وقف بعد أن حاز ثقة المجلس ليشكر الجميع، ويقول: الآن وبعد أن حزت هذه الثقة الطيبة من المجلس، أتمنى أن أحصل على قبول استقالتي.

فكان أن وقف النائب عبدالله النيباري أحد مقدمي الاستجواب- كعادته متحلياً بالأدب والرقة والموضوعية - ليرد على الوزير بقوله:

«أولا أشكر السيد الوزير على موقفه النبيل تجاهنا وارتفاعه فوق العاطفة، وأنا أؤكد له أن وده لدينا كأب وكأخ كبير ما زال ولن يمحى، وإذا كنا نصارع سياسة خالد العدساني، فخالد العدساني كرجل هو دائما فوق رؤوسنا، وهذا الكلام لا أقوله تملقاً، وإنما من قلبي»، (مضبطة جلسة المجلس في 23/4/ 1974 ص 80 - 81).

ولكن هناك من حالات التخلي عن المنصب الوزاري قبل مناقشة الاستجواب، ما يتسم بالشجاعة في تحمل المسؤولية، ومنها الاستقالة التي قدمها الدكتور عادل الصبيح وزير النفط الأسبق في فبراير 2002 إثر التلويح باستجوابه في المناقشات التي دارت في مجلس الأمة، إثر حادث حريق بئر الروضتين، وهو الوزير الذي حاز ثقة المجلس في استجواب قدم له في عام 2000 إبان حمله الحقيبة الوزارية للإسكان، كان رده عليه ملحمة رائعة من المصداقية والشفافية والاقتدار، الأمر الذي جدد معه المجلس الثقة به بأغلبية كبيرة شملت من يخالفونه في توجهه السياسي، ومنهم النائب محمد الصقر الذي قرر أنه بالرغم من مخالفته للوزير في توجهه السياسي فإنه يقف إلى جانبه ويدعمه في الاستجواب، لأن لا أحد يشكك في نزاهته، وأنه اتخذ قرارات تتسم بالجرأة بسبب مفهومه الصحيح للقضية الإسكانية (المجتمع - العدد 1430 في 12/12/2000).