قرأت أكثر من مرة عبارة «موريتانيا... بلد المليون شاعر». لم أفهم بداية القصد منها فأنا السامع بلقب المليون شاعر لا اعرف شاعراً من تلك البلاد. لم أقرأ من الثقافة الموريتانية الا روايتين للكاتب موسى ولد ابنو الأولى عنوانها «الحب المستحيل» (دار الاداب) واختار لها المستقبل زمناً روائياً والخيال العلمي فضاء وأرادها بحوادثها الغرائبية المتخيلة المفارقة للواقع صرخة احتجاج على الإسراف في تطبيق النظريات العلمية. والثانية عنوانها «حج الفجار» (دار الآداب) تناول من خلالها العصر الجاهلي متخذاً إياه زمناً لروايته، جاعلاً وقائع تاريخية تنتمي الى ذلك العصر فضاء لروايته وتاريخاً روائياً لظاهرة الحج عبر العصور.

لم أقرأ شعراً موريتانياً، ربما بسبب تعثر توزيع الشعر العربي، او لأن شعراء تلك البلاد لم يهاجروا الى بلدان تكتشفهم. فالنافل ان المنفى والهجرة سببان اساسيان في صعود ابرز الأدباء والشعراء وأهمهم في العالم. لا نخفي ان «اسطورة» بيروت قائمة على هذا المنوال. كانت ملتقى لصعود الكثير من الشعراء والادباء العرب، كما هي باريس موئل بروز الكثير من الكتاب الفرنكوفونيين، ولندن مدينة صعود نجم الكثير من الادباء الانغلوفونيين ويكاد ينتفي وجود الادباء البريطانيين امام ظاهرة الأدباء المهاجرين من باكستان وإفريقيا والهند وسائر البلدان. لكن الطامة الكبرى أننا لم نقرأ للموريتانيين ولا ندري كيف هي صورة الأدب العربي في موريتانيا وهل تصل إليهم الثقافة العربية؟!

Ad

لم افهم لقب «بلد المليون شاعر» الا حين قرأت مقالاً لاحدى الصحافيات الموريتانيات تشير فيه إلى أهمية الشعر ودوره في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية في موريتانيا. ارتبط اللقب بها منذ ستينات القرن الماضي حيث ظلت ألسنة الجماهير تلهج بها منذ ولادتها وتناقلتها وسائل الاعلام وتداولتها أقلام الكتّاب حتى التصقت بكل حبة من تراب هذا البلد الصحراوي. ونظراً إلى أهمية هذا اللقب وسطوته فإنه أورث «الشناقطة» مسؤولية كبرى يتسبب التخلي عنها أو عدم القدرة على تحملها كما يجب بالتشكيك في مدى استحقاق بلادهم اللقب الفريد الى حد التجريد منه، ما يدفعنا الى البحث عن أصل هذه الصفة ومدى انطباقها على موريتانيا.

مقولة «بلد المليون شاعر» مثل مقولة «تحت كل حجر شاعر في جنوب لبنان». انها الطقوس الموروثة التي تجعل الشعر «مقدساً» في النسيج الاجتماعي. ليست موريتانيا «بلد المليون شاعر» لكنها البلد التي يحضر الشعر على موائدها وفي سهراتها، حضور الحب والغرام والدين والصلاة. هكذا الشعر قبل الشعراء من أعمدة الخصال الاجتماعية والوجاهة لكل شخص وأدوار الحياة من ادوار الشعر.

تقول الصحافية في مقالها إن هذه الصفة قد لا تكون متكئة على سند تاريخي ملموس كما في حالة «بلاد المليون شهيد» الجزائرية، لكنها بالتأكيد مستندة إلى إعجاب زوار موريتانيا وانبهارهم بفصاحة أهلها وعشقهم الشديد للشعر. وردت المقولة للمرة الأولى في تحقيق أعدته مجلة «العربي» الكويتية في نيسان 1967 عن موريتانيا تحت عنوان «نواكشوط... أحدث عاصمة في أقصى منطقة من وطننا العربي» حيث أسند كاتب التحقيق هذه الكلمة الى محاوريه من المواطنين الموريتانيين إذ قال: «وسألناهم: «كم عدد سكان موريتانيا»، أجابوا: «مليون شاعر. نعم فكل أهالي موريتانيا شعراء».

لا ندري كيف سيكون رد فعل الموريتانيين على لقب «شاعر المليون» الذي روّجته احدى المحطات العربية فجعلت من الشاعر نجما قبل كان ان يكون شاعراً؟ لا ندري اذا كانت ظاهرة الحماسة للشعر في موريتانيا ستتأثر بموجة الشعر التلفزيوني؟ او بموجة التصويت للشعر في البرامج التلفزيونية التي ما برحت تروّج لكل شيء وتجعله في متناول الجميع لكنها تهتك في الوقت عينه كل شيء وتدخله في دائرة الاسفاف والابتذال أو تجعله أسير افكارها الإعلانية والتصويتية!