حرصت «الجريدة» على زيارة دور الرعاية وبالتحديد دار المسنين، لمعايدة المسنين والمسنات، بعيد الأم، رغبةً منها في تسليط الضوء على هذه الفئة، وعن معاناتهم وآلامهم واحتياجاتهم، ملتقيةً القاطنين في الدار ومجموعة من المسؤوليين والاختصاصيين.

Ad

ما أن وطأت أقدامنا الدار حتى شعرنا بوحشة تغزو صدورنا، تصدت بدورها للحماسة التي كانت تملؤنا قبيل التقاء المسنات في الدار.

بدت الأمهات مبتسمات مبتهجات، مرتديات أحلى أثوابهن، ومتعطرات بأجمل طيب يترقبن الحدث السعيد لحظة اللقاء. وكأن الفرح بالنسبة اليهن زائر يفرحهن تارةً ويبكيهن طوراً. نظرت الينا الامهات بوهن واضح في عيونهن علهن يجدن في ملامحنا سمة تدلهن على ابن أو ابنة أو «عضيد» كان.

تحمل أجساد هؤلاء الامهات الكهلة كراسٍ متحركة صلبة كصلابة قلوب أهلهن الذين لطالما تنكروا لهن ولعشرتهن. فهن اليوم منسلخات عن جذورهن، ويعشن في غربة هذه الدار ووحشتها. لا يوجد أمامهن خيار فهذه الدار هي الملاذ الوحيد لهن، نظرا الى ظروفهن الحرجة، الذي يؤمن لهن حياة كريمة، ومأوى آمناً أسوةً بغيرهن.

رحلات ترفيهية

من ناحيتها توضح رئيسة القسم النسائي في الدار وضحة العنزي أن «الدار تأوي مسنين ومسنات كثراً وتقدم لهم الرعاية كي تضمن لهم حياة كريمة لما تبقى لهم من أرذل العمر»، مشيرة الى ان حالات كثيرة تلزمها فعلا الرعاية وهي بحاجة ماسة كي تتواجد في الدار.

وتؤكد العنزي أن «الدار لا تستقبل الحالات التي تعاني من الأمراض النفسية والتخلف العقلي والأمراض المعدية بل نساء كثيرات ليس لديهن أهل نظراً الى حالتهن الحرجة» وتقول في هذا المجال: «كانت الدار تستقبل حالات عدة ومختلفة سابقا، لكن منذ عام 2000 وبعد وضع الهيكل التنظيمي لم تعد تستقبل إلا الحالات الخاصة، لأننا ادركنا في النهاية أن البيئة الصالحة للمسن هي بين أسرته».

وتشير العنزي إلى أن الدار تحرص على تنظيم رحلات مستمرة للقاطنات فيها إلى أسواق ومطاعم الكويت. وانها في صدد تنظيم رحلة لمجموعة منهن يترأسها وكيل وزارة الشؤون والعمل محمد الكندري، بناءً على طلب القاطنات، ونزولاً عند رغبتهن، مشيدة بجهود المسؤولين لتلبية رغبات المسنين في الدار والعمل على تأمين احتياجاتهم كلها سواء كانت مادية أو معنوية. وكذلك بينت أن الدار تفتح أبوابها للزوار في المناسبات كافة كي يتسنى لهم زيارة المقيمين فيها وقضاء الأوقات معهم. وفي نهاية حديثها حرصت العنزي على تذكير الأبناء بعيد الأم قائلة: «برّوا آباءكم يبرّكم أبناؤكم، ولتكن أيام السنة جميعها أعياداً وليست مقتصرة على هذا اليوم فحسب. فمعايدة الأم لها صور شتى. منها: تقديم هدية متواضعة أو وردة معبرة أو كلمة طيبة».

يذكر أن دار المسنين جزء من دور الرعاية الاجتماعية التابعة لوزارة الشؤون والعمل.

علم الاجتماع

لعلم الاجتماع دور مهم وفاعل في رعاية المسنين، في هذا المجال التقينا الاختصاصية الاجتماعية تحية محمد الرفاعي التي أكدت أن العلاقة بينها وبين النزلاء ليست علاقة اختصاصية فحسب بل تعدت ذلك بكثير: «نولي المسنين رعاية خاصة إذ نُعتبر الأبناء البدلاء للمسنين الذين تجمعهم العشرة والالفة، لكن على الرغم من هذا أجد أن الأسرة هي المكان الأنسب والطبيعي لهن. مع العلم ان بعض الحالات يجد الراحة في الدار أكثر من المنزل، نظراً الى انشغال الأبناء وعدم رعايتهم لآبائهم، لذلك نحرص نحن العاملين في الدار على توفير جو اسري حميم. فالدار بعد دخول أي شخص إليها تصبح بمثابة منزلٍ له، لذلك نحرص والزميلات المشرفات على توفير كل سبل الراحة للقاطنين والقاطنات فيها. ابتداءً من نظافة المسنات الشخصية ومظهرهن الخارجي الملائم، مرورا بالرعاية النفسية والطبية وانتهاء بالبرامج والنشاطات كحفظ القرآن، والرحلات الخارجية لأنها تخرج المسنات من الكآبة والخوف والقلق وغيرها».

وختمت بالقول: «اصبحت المسنات جزءاً لا يتجزأ من حياتنا. فهن أمهاتنا وأخواتنا. ونحن كذلك بالنسبة لهن. بدليل أنهن في حال تأخرت إحدى الأختصاصيات أو المشرفات يبدأن بالسؤال عنها وعن سبب تأخرها. وكأننا بنات لهن».

آثرنا بعدها الرحيل متمنين أن يصحو بعض الضمائر ويحتضن هؤلاء الأمهات. وعلى الرغم من الرعاية والجو الأسري الحميم الذي قامت إدارة الدار مشكورة بتوفيره سواء من مدير إدارة رعاية المسنين علي حسن ورئيسي قسم رعاية المسنين رجالاً ونساء وضحى ومحمد العنزي والأختصاصيات والأختصاصيين والمشرفات والمشرفين.

لهؤلاء جزيل الشكر على جهودهم تجاه هذه الفئة من المسنين. ففي قوله تعالى: «أنا الرحمن، إني خلقت الرحم وشققت لها رحماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته».