إن أوجه الشبه بين صيف العام 2006 واليوم، لا تلغي بعض نقاط الاختلاف العميقة الدلالة، وهي نقاط ليست بالضرورة في مصلحة المقاومتين «حماس» و«حزب الله». كما أن تعمّد إسرائيل إشعال محارق غزة يعني أن جيشها بات جاهزاً للمواجهة في لبنان وفلسطين وربما في سورية.

Ad

يجمع المحللون المهتمون بشؤون لبنان وفلسطين والعالم العربي عموماً على خطورة اللحظة الراهنة، مما يستدعي من الأطراف كافة اتخاذ جانب الحيطة في المواقف والأفعال، وكثيراً ما يشير المراقبون والمتابعون إلى أوجه الشبه والتماثل بين الحال التي كانت عليها الأوضاع في فلسطين ولبنان قبل حرب يوليو 2006 والأوضاع الراهنة. إذ إن عملية خطف الجنديين الإسرائيليين التي أشعلت فتيل حرب صيف 2006 تمت بعد مجازر إسرائيلية في قطاع غزة رداً على استهداف مستوطنة سديروت بصورايخ القسام. وسبق ذلك كله توتر إيراني-أميركي في الملف النووي الإيراني، وتهديد أميركي بعقوبات صارمة ضد إيران، وتهديد إيراني بهزيمة إسرائيل في فلسطين ولبنان.

تأسيساً على أوجه الشبه بين اللحظة الراهنة واللحظة السياسية التي سبقت الحرب السابقة، ثمة خشية متعاظمة من أن يلجأ «حزب الله» اللبناني إلى الرد على اغتيال أبرز قادته العسكريين، عماد مغنية، مستغلاً حالة الفوضى العامة في المنطقة والإرباك الذي أصاب الرأي العام العالمي والعربي نتيجة محارق غزة المروعة. مما يفتح الباب حكماً على حرب جديدة ستكون بطبيعة الحال أقسى من سابقتها على جانبي الحدود.

لكن أوجه الشبه بين صيف العام 2006 واليوم، لا تلغي بعض نقاط الاختلاف العميقة الدلالة، وهي نقاط ليست بالضرورة في مصلحة المقاومتين، «حماس» و«حزب الله».

صحيح أن رد «حماس» اليوم على المجازر الإسرائيلية بات أكثر إيلاماً من ردها عام 2006، حيث وصلت صورايخها إلى عسقلان، وليس خافياً أن «حزب الله» اليوم أصبح أقوى تسليحاً وتدريباً وأكثر عديداً مما كان عليه في العام 2006، لكن ذلك لا يخفي أن الهجوم الإسرائيلي اليوم على غزة يذكر بحرب لبنان من حيث قسوته وشدته، ولم يعد يمكن اعتباره عملية محدودة مثلما كانت عليه الحال في غزة منذ عامين. ذلك يعني أن الرد الإسرائيلي على رد «حزب الله» قد يأتي أقسى وأشد هولاً من الحرب السابقة.

النقطة الثانية التي يجدر بنا الانتباه لمفاعيلها الخطيرة تتعلق بوضع المقاومتين في المحيط الذي تتغذيان منه. ففي العام 2006 كانت حركة «حماس» لاتزال شريكاً، غير مرغوب فيه، في سلطة وطنية لها بعض الوزن الدولي. لكنها اليوم تعاني عزلة دولية وعربية خانقة، جعلتها هدفاً سهلاً لكل مستهدف. بل إن قلة قليلة من السياسيين والزعماء العرب يدافع عن «حماس» اليوم في مواجهة إسرائيل، وإن كان الجميع يدين القسوة الإسرائيلية المنفلتة من عقالها. وفي الميدان اللبناني، كان «حزب الله» منذ عامين يملك رصيداً كبيراً لدى سائر الطوائف اللبنانية، استهلك معظمه في بروفات حروب صغيرة في شوارع بيروت، وفي مواقف سياسية ساهمت إلى حد بعيد في تعميق الانقسام اللبناني إلى حد الوصول به إلى حافة الحرب الأهلية المسلحة. مما يعني أن الحاضنة التي تستند إليها المقاومتان في الحق بفتح النار واستئناف الحرب الناقصة بين إسرائيل من جهة و«حزب الله» و«حماس» من جهة ثانية أصابها عطب بالغ. فقبل تلك الحرب كان «حزب الله» هو من يخرق الهدنة الهشة على الحدود اللبنانية بعمليات تذكيرية من أجل تحرير مزارع شبعا، وكانت إسرائيل ترد على الخروق. وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى أصبحت إسرائيل هي التي تخرق الهدنة الهشة و«حزب الله» هو المطالب بالرد. ومنذ أن علقت الأعمال العسكرية في أغسطس من العام 2006، بموجب القرار الدولي 1701، بات الجميع في لبنان في انتظار استكمال الحرب الناقصة، والتي تملك إسرائيل حق فتح النار فيها. والحال لم تعد إسرائيل تحتاج ذريعة لتستأنف حربها على لبنان، ولم يعد حذر «حزب الله» وإيثاره السكينة والتروي يفيده في تجنيب نفسه ولبنان كأساً مرة كتلك التي تجرعها البلد منذ عامين.

استكمال الحرب الناقصة لم يعد ينتظر سوى الجهوزية الإسرائيلية للشروع فيها. والأرجح أن تعمّد إسرائيل إشعال محارق غزة يعني أن جيشها بات جاهزاً للمواجهة في لبنان وفلسطين وربما في سورية. إلا إذا كانت البوراج الأميركية على الشواطئ اللبنانية-السورية تهدف إلى حصر الدم في غزة وحقنه في لبنان.

في الانتظار استكمل اللبنانيون انقسامهم، ولم يعد ثمة مكان للحلول السياسية، وبات الوضع السياسي المشلول يذكي نار الحرب، فإن لم تأت من الخارج هذه المرة سيشعلون نارهم الأهلية في عقر دارهم، وليس من إطفائي في وسعه أن يحاصر هذه النار.

* كاتب لبناني