لم يستثنِ بطش نظام صدام حسين الأرض ومياهها، إذ استهدفها وخربها ودمر حيويتها، خصوصا في منطقة الأهوار التي تعد من اغنى مناطق العالم من حيث تنوع الحياة المائية والبرية.

Ad

تعرضت الاهوار في عام 1992 الى اكبر عملية تجفيف لمستنقع مائي في العالم، حيث قام النظام البائد بحفر القنوات التي سربت المياه العذبة الى البحر، مما أدى الى تدمير الثورة النباتية والحيوانية الكبيرة التي كانت تعج بها المنطقة، كما احرق القصب والبردي ورشه بمبيدات كيمياوية.

ومارس النظام السابق التهجير القسري لسكان الاهوار من دون تعويضات ومنعهم من ممارسة الكثير من النشاطات الاقتصادية. فترك اكثر من 300 الف نسمة، هم سكان هذه المنطقة، اعمالهم ورحلوا الى المدن العراقية القريبة او الى ايران بحثا عن سبل العيش.

شكَّلت منطقة الأهوار محطة استراحة للطيور المهاجرة من سيبيريا الى افريقيا والعكس، ووصفها الباحثون والمستكشفون الاجانب بأنها «جنة عدن».

إلا أن صدام أطلق كميات كبيرة من المياه الملوثة الناتجة من استصلاح الاراضي عبر الانهر المغذية للأهوار، ما أنتج تغييراً سلبيا لمجمل التكوين البيئي الطبيعي، تزامن مع المجازر الجماعية والاعتقالات العشوائية للسكان واستخدام الاسلحة الثقيلة اثناء تصفية المعارضين السياسيين.

وأدى تجفيف الأهوار الى انحسار المياه وبقيت اماكن قليلة شكلت بركا صغيرة وتركزت في «هور الحويزة».

وتحول المستنقع المائي الى اراض جافة متشققة وتملحت الارض وجفت البيئة وبدأت تظهر انواع جديدة وغريبة من الأرض، التي لم تكن تعرفها المنطقة. وهجرها اهلها وسكانها حتى بدت موحشة مخيفة.

تقدر مساحة الأرض التي تم تجفيفها بنحو 9000 كم2. ويمثل «هور الحمَّار» مثلثا يبلغ طول احد اضلاعه 120كم.

وتعتبر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن التجفيف واحدة من اهم الجرائم التي قام بها النظام السابق.

فقد وصف المهندسون الزراعيون الآثار السلبية الناتجة عن تجفيف الاهوار، والتي لحقت ببيئة جنوب العراق، بأنها كارثية، منها تغييرات مناخية هي الاسوأ على الاطلاق حيث ادت الى ظهور امراض جلدية لم تكن معروفة سابقا، وكذلك اصابات كثيرة بامراض الحساسية بانواعها المختلفة.

واصيبت بساتين النخيل وكثير من بساتين الفاكهة، التي كانت تشتهر بها البصرة، بأمراض كثيرة أدت الى هلاك مساحات شاسعة منها، خصوصا حشرة «الارضة» التي ضربت شمال البصرة،

وكانت النباتات، التي تعيش في هذه البيئة المائية توفر الاوكسجين، اضافة الى تبخر كميات من المياه تقدر بنحو ملياري متر مكعب لتبقي درجات الحرارة ضمن معدل مقبول نسبيا.

ومن المعلوم أن النفط في منطقة الأهوار، التي استوطنها الانسان منذ 5000 سنة، يعوم على مستوى الأرض تحت المياه، وقد ادى التجفيف الى ظهور بقع من النفط على سطح الأرض.

وكانت الحرفة الرئيسية لمعظم سكان الاهوار هي صيد السمك والطيور، حيث وصلت كميات الاسماك التي يتم اصطيادها في الاهوار الى اكثر من 100 الف طن سنوياً.

في الالف الرابع قبل الميلاد استوطن السومريون الاهوار، وهم من اقدم الشعوب التي استطاعت وضع لبنات الحضارة الاولى في القسم الجنوبي من العراق القديم الذي عرف ببلاد «سومر». ولم يدر في خلدهم بأن هناك من سيأتي ويدمر ما قاموا به واكتشفوه.

وبعد عملية تحرير العراق من النظام السابق، تعود الحياة شيئاً فشيئاً الى الاهوار، وعاد بعض سكانها في «هور الحمار» الذي اعيدت كميات من المياه لتغطيه.

وادت عودة سكان الاهوار الى مناطقهم التي غادروها، الى احياء مهنهم القديمة التي يعتاشون منها مثل نقل المنتجات الحيوانية الى المناطق والمدن المحاذية او المتاخمة والتبضع من تلك المناطق ايضا.

ومن اشهر اهوار العراق، التي تعد اكبر التجمعات المائية في العالم، هور الحمار وهور الحويزة والجبايش والكحلاء والمدينة والهوير والفهود والمشرح والطار وكلها تابعة لمدن الجنوب الناصرية والبصرة وميسان.

وما يميز الاهوار انه لا توجد شوارع فيها ولا سيارات، فشوارعها من الانهر يسكن على ضفتيها اهلها في اكواخ صغيرة وجميلة يصنعونها من شجر البردي. ويتجول السكان ويتسوقون من خلال المراكب الشراعية والزوارق التي تسمى «المشحوف»، حيث يتم التجديف بها بعصا من البردي.

وايضا لأهوار العراق حصة من الاهتمام السينمائي حيث أخرج المخرج العراقي المعروف قاسم حوَل فيلما سينمائيا بعنوان «الاهوار» عام 1976، يعتبر وثيقة حية عن عالم الأهوار وطبيعتها الغنية.