لا يزال كل جيل متمسكاً بوجهة نظره في أنه صاحب الرأي الصائب. يعتبر الآباء أن الأبناء تنقصهم خبرة الحياة ولا يستطيعون اتخاذ قراراتهم بحكمة، فيما يرى الأبناء أنهم أدرى بحياتهم. يبقى الصراع قائماً بين محاولة الآباء حماية الأبناء وتأمين مستقبلهم من جهة وبين الأبناء من جهة أخرى كونهم يحاولون إثبات ذواتهم وتحقيق استقلاليتهم. تُرى من يتحكم في اتخاذ القرارات الصعبة الشباب أم الأهل? وما أهمية المشاركة بين الطرفين؟

Ad

تقول يُمنى ضرغام (18 عاماً طالبة): يحد احتكار الأهل للقرار من أهمية القرار نفسه. نحن نميل إلى اتخاذ قراراتنا بأنفسنا دون تردد في ما يتعلق بأمور حياتنا اليومية البسيطة خصوصاً إذا كان الشاب أو الفتاة على قدر كافٍ من الثقافة التي تؤهله لذلك ومحل ثقة أهله. من الضروري أن نعتاد على تحمل المسؤولية،‏ لكن يختلف الأمر بالنسبة إلى القرارات المصيرية كالزواج أو اختيار فرع دراسي معين، إذ يُفضل في هذه الحالة استشارة الأهل والاعتماد على آرائهم. لاينعكس هذا الأمر سلباً على الشباب كما قد يتوهم البعض لأن مشورة الأبوين واجبة، فهما يتمنيان حياة أفضل لأبنائهما‏.

أما محمد سليم (20 عاماً طالب بكلية الحقوق) فيقول: من واجب الشاب، لدى وصوله إلى مفترق الطريق في حياته سواء العملية أو الجامعية أن يقف عند رأي الأشخاص المهتمين به على رأسهم الأهل الذين يمتلكون الخبرة التي تؤهلهم إسداء النصائح. هذا لا يعني أن الشباب في مجتمعنا غير قادرين على اتخاذ القرارات الصائبة المفيدة لمستقبلهم، لكن لا بد من مراجعة الأهل في قرار الزواج مثلاً احتراماً لهم وللعادات والتقاليد ولحضورهم الذي يعتبر السند لأولادهم .

عن هذا الموضوع يقول د. سامي النجار أستاذ علم الاجتماع: من الضروري أن يعتمد الشاب على نفسه لإثبات ذاته وقدرته على اتخاذ القرار المصيري، فتكون شخصيته غير مضطربة أومترددة ومن المهم أيضاً الاستفادة من أخطاء الغير وخبراتهم ومعرفة أن الحياة هي مدرسة كبيرة. لكن يبقى القرار النهائي لصاحب الشأن، حتى يشعر باستقلاليته الذاتية.

 تحديد الخيارات

من ناحيته يقول د. عبدالفتاح إبراهيم (أستاذ علم الاجتماع العائلي): في مرحلة الشباب والمراهقة ثمة توجه، لدى الطلبة الجامعين خصوصاً، في اتخاذ القرارات المصيرية بصورة فرضية والاعتماد على رغباتهم ومتطلباتهم ما أدى إلى فشل في مراحل مصيرية هامة وإلى العجز عن إتمام مسيرة النجاح التي بدأوها مع الأهل، لذا يجب عدم الانفصال التام عنهم لدى اتخاذ القرارات المصيرية، بل من الضروري استشارتهم لأنهم أكثر خبرة. لا تلغي مساعدة الأهل للأبناء في صنع قراراتهم الشخصية بل على العكس تدعم العلاقة بين الآباء والأبناء. من ناحية أخرى يجب على الآباء مساعدة الأبناء في تحديد خياراتهم منذ مرحلة الطفولة على أن يتركوا لهم القرار النهائي. بهذه الطريقة نخلق شخصيات مسؤولة تعرف جيداً ما تريد.‏

لدى د. فاتن عبدالفتاح (أستاذ علم الاجتماع في جامعة الزقازيق) رأي في هذا المجال تقول: تعود عملية اتخاذ القرار إلى آلية التنشئة الاجتماعية التي تبدأ بالأسرة ثم المدرسة ثم الجامعة ومؤسسات المجتمع الأخرى بما فيها وسائل الإعلام المختلفة.‏ إذا أدت هذه المؤسسات أدوارها في جعل الأبناء يكتسبون مهارات اتخاذ القرار بشكل سليم عند حدوث مشكلة معينة، تكون هذه المؤسسات قدمت إلى الشباب مفاتيح منهجية لحل المشكلات والقدرة على التكيف في البيئات المختلفة.‏ ترتبط هذه التنشئة بمحددات مثل مستوى وعي الوالدين ومقدرتهم على تحويل هذه التنشئة إلى ممارسة حقيقية إضافة إلى المدرسة من خلال مناهجها ومعلميها والوسائل التربوية المتاحة فيها وإلى الجامعة وغيرها من مؤسسات المجتمع الأخرى. لذا نجد بعض الشباب، عندما يواجه مشكلة، يتخذ القرار دون الرجوع إلى أية جهة أخرى لأنه يملك المعرفة والخبرة والمنهج والوعي، بينما يتعثر البعض الآخر فيلجأ إلى الأهل أو الأصدقاء. في الحالة الأولى نجد شاباً واثقاً من نفسه يواجه تقلبات الحياة بنظرة صحيحة وفي الحالة الثانية نجد شاباً عديم الثقة ومتردداً وخائفاً فيتعثر ولا يستطيع التكيف مع الظروف المختلفة التي يمر بها ويحتاج دوماً إلى مساعدات واستشارات. لا يعني اتخاذ القرار التشبث بالرأي بل الاستشارة وهي ضرورية ولا تقلل من قيمة الإنسان لأنها تحصنه أكثر وتجعل القرار المُتخذ قراراً صائباً، فرأي اثنين أفضل من رأي واحد.