التاريخ يعيد نفسه... واللاعبون هم أنفسهم. ظننا أننا تعلمنا جميعاً من درس الثمانينيات عندما ظن بعض أن بيدهم توزيع صكوك الولاء ثم جاء 2/8 ليكشف العكس. لكن يبدو أن هناك مَن لم يتعلموا الدرس وانطبقت عليهم الآية الكريمة «ولو ردوا لعادوا إلى ما نهوا عنه».

Ad

فسراق المال العام- الذين طعنوا البلد في أحلك الظروف بينما كان أبناء الكويت المخلصون يدافعون بدمائهم عنها- وما يملكونه من أجهزة إعلامية مشبوهة همها بث الفرقة في المجتمع يعطون دروساً في الولاء والوطنية! والأقلام المأجورة التي «طبلت وزمرت» لصدام حسين، وطالبت بقطع تلك الأيادي الثلاث (في إشارة إلى معارضة النواب عبدالصمد وجمال وصرخوه للقرض العراقي في الثمانينيات) هم أنفسهم يقودون اليوم حملة مسعورة لاغتيال النائبين الوطنيين سيد عدنان عبدالصمد وأحمد لاري سياسياً.

لكن المصيبة هي في تعامل حكومتنا مع كل ما يجري، فبدلاً من التعقل نراها تنساق وراء «حفلات الزار» وحملة التشويه المسعورة بدءاً من تصريحات وزرائها العشوائية إلى حادثة البيانين، حيث تبدل موقفها خلال ساعة ونصف الساعة. فعلى أي أساس تبُدل الحكومة قناعاتها بهذه السرعة؟ وأين كانت خلال العشرين سنة الماضية؟ وكلي خشية من أن يكون أسلوب التعامل هذا سابقة لتصفي الحكومة حساباتها القديمة مع خصومها السياسيين.

والمصيبة الأعظم هي في نواب الأمة الذين تسابقوا للمزايدة على طريقة «إللي يحب النبي يضرب» ورأيناهم يدعون لـ«الملاحقة» و«المعاقبة»، بل وصل الأمر إلى المطالبة بـ«سحب الجنسية»، وكأن الجنسية ورقة رخيصة تستخدم للابتزاز والترهيب. فهل المطلوب أن نرجع إلى أساليب قمع الحريات التي لم تنفع حتى عندما مورست في ظل تعطيل الدستور في الثمانينيات ضد معارضي صدام؟

وكما يفصل التكتل الشعبي النائبين ويسمي ذلك بـ«القرار الصعب» مع أن الواقع يقول إنه «القرار السهل». فالقرار الصعب يُتخذ عادة ضد اتجاه الرأي العام أو يتم تأجيله إلى أن تهدأ الأمور ليقول القضاء كلمته، ولا يتخذ رضوخاً وانصياعا لضغط الحملة الإعلامية الهوجاء المعروف أهدافها!

وحتى لو سلمنا بأن قرار التكتل كان صائباً و«صعباً»، فأتصور أنه كان من حق النائبين- خصوصاً سيد عدنان باعتباره أحد المؤسسين- على بقية أعضاء التكتل ذكر ولو كلمة استنكار واحدة لحملة الاغتيال السياسي التي يتعرضان لها، لاسيما أن التكتل يعرف تماماً أن هذه الحملة لا علاقة لها بالتأبين، بل هي لمعاقبة النائبين على تاريخهم الناصع في محاربة الفساد وسراق المال العام. وإذا كان سيد عدنان هو «القلب النابض» لكتلة العمل الشعبي، كما قال النائب مسلم البراك في 2003، فإن التكتل بات في عداد الأموات بعد انتزاع قلبه!

إن ما حصل في الأيام الماضية يكشف لنا قصور أدوات الرقابة ومحاسبة الأجهزة الإعلامية، وقد بات ملحاً الآن سن قانون حق الرد على أي تشويه وانتقاد تمارسه وسيلة إعلامية ضد أي مواطن كان، وهو القانون الذي يعرف في الغرب بـ«equal time»، بحيث يكون الرد بنفس حجم وموقع الخبر في الصحف أو في الوقت والمدة نفسيهما في القنوات الفضائية، مع وجود عقوبات صارمة لهذه الوسائل الإعلامية لو ثبت زيف الخبر وكيديته. وما لم يتم ذلك فإن الأجهزة الإعلامية المشبوهة والممولة من المال الحرام ستسرح وتمرح في الأيام المقبلة خصوصاً عند الانتخابات المقبلة.