جميع الدول الخليجية تسمح لمواطنيها الموظفين في الدوائر الرسمية بالحصول على تراخيص لشركات خاصة بهم إلا الكويت التي تحظر على مواطنيها الموظفين فعل ذلك، مما حدا بهؤلاء إلى اللجوء إلى استصدار التراخيص بأسماء أقارب وقريبات منهم التفافاً على القانون... مما زاد من المشكلات العائلية والمالية فضلاً عن الدعاوى القضائية!.

Ad

يحظر القانون الكويتي على الموظف الرسمي الكويتي الحصول على ترخيص لتأسيس شركة باسمه، طالما هو على رأس عمله، وإذا تخلى الموظف الكويتي في اية جهة حكومية عن وظيفته تحت اي ظرف يحق له الحصول على ترخيص لأية شركة او مؤسسة أيّا كان غرضها الذي تمارسه.

وبالطبع ترتب على هذا الأمر ظهور ممارسات من كثير من هؤلاء الموظفين تحت لواء التحايل على القانون تصب في مجملها في خانة الحصول على ترخيص تجاري او سواه لممارسة نشاط خارج نطاق العمل الرسمي في الدائرة الحكومية التي يتبعها.

ومن بين صور التحايل تلك الحصول على ترخيص تحت اسم الأم أو تحت اسم الاب او الابن او البنت أو حتى تحت اسم الأخت او الزوجة، فضلا عن الأساليب الاخرى التي نحن لسنا الآن بصدد الحديث عنها.

ومما لا شك فيه -المحاكم والسجون اقرب إلى فهم ما نكتب- ان مشكلات أشد مرارة على المجتمع برزت الى ساحة الوجود انسحابا على ممارسات التحايل على القانون التي لجأ الكثيرون اليها ابتغاء الحصول على ترخيص لشركة.

ومما لا شك فيه ان آباء وامهات وزوجات واشقاء كانوا ضحايا منح الابن او احد المقربين اسماءهم لاستصدار ترخيص لشركة يتطلعون إلى تأسيسها.

ومن المشكلات التي برزت الى واقع الوجود ايضا مشكلات الارث بعد وفاة من باسمه أو باسمها الترخيص، وكذلك بروز مشكلات الطلاق بين الازواج الى ما ينسحب على هذا الأمر من تبعات المجتمع في غنى عنها.

ومن الجدير بالاشارة اليه ان الكويت تعتبر الوحيدة بين دول مجلس التعاون التي تحظر على مواطنيها الموظفين في الجهات الرسمية الحصول على تراخيص لشركات تحمل اسماءهم، وهذا يشير الى أمر آخر ان المواطن الخليجي الموظف في جهة حكومية في بلده يحق له وفق اتفاقات المجلس الحصول على تراخيص لشركات تمارس نشاطها في الكويت دون ان ينسحب الحظر عليه!.

والتقت «الجريدة» بعض الاقتصاديين وأصحاب الشأن في هذا الأمر فكانت هذه الوقفات.

للقانون مبرراته

التقت «الجريدة» رئيس غرفة تجارة وصناعة الكويت علي محمد ثنيان الغانم الذي وصف القانون بانه مبرر، مبينا ان كون المواطن موظفا ورجل أعمال قد يجعله(ونحن بشر) حسب قول الغانم، يرجح مصلحته الشخصية على المصلحة العامة عند اتخاذ أي قرار يمس مصالحه.

وأضاف الغانم ان الحيادية في مثل هذه الاحوال ستكون صعبة والهدف من هذا القانون اعطاء نوع من الحيادية، وهو باب من أبواب توثيق النزاهة.

ولفت الغانم الى ان الحديث عن وجود العمالة الكويتية لدى القطاع الخاص تتراوح بين 14/12 ألف شخص حديث لا يمت الى الواقعية بصلة.

وقال: إن الكلام عن عدد التراخيص التجارية يشير الى ان حوالي 2000 ترخيص قد تم استصدارها باسم كويتي، والتراخيص كلها بأسماء كويتيين. ورغم هذا، والحديث هذا يقودنا الى طرح افتراض انه لو كان معدل 3 رخص لكل مواطن، نسبة عالية جدا، هذا يعني أن ما بين 60 - 65 ألف كويتي يعملون في القطاع الخاص، ولكن للأسف -والكلام للغانم- فإن عددا كبيرا من التراخيص تكون تحت اسماء اخرى، كأن يكون الترخيص لموظف كويتي يحمل اسم زوجته أو اخته.

حتمية موقف حكومي جدي

وطالب الغانم ان تأخذ الحكومة موقفا أكثر جدية إزاء عمليات التحايل على القانون الذي يحظر على الموظفين الكويتين تملك تراخيص تحت أسماء الزوجات والشقيقات والآباء والأمهات وغيرهم من المقربين.

وأشار الى ان منطقة الشويخ الصناعية على سبيل المثال، خصوصا شارع كندادراي والشوارع التي خلفه نجدها تحتضن آلاف المحلات التي يعمل فيها أعداد كبيرة ليسوا بكويتيين ولا عربا... الخ.

ولفت الى ان مستثمري تلك المحلات يدفعون للمواطن الكويتي مبالغ متفق عليها تتراوح بين 500 - 600 دينار كويتي أما ارباحهم فهي بالآلاف.

ولفت الغانم الى ان المشكلة لم تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي بل حتى على الجانب الاخلاقي فعادات وأخلاق وتقاليد المستثمرين لتلك المحلات تتناقض مع اخلاق وتقاليد وعادات الكويتيين.

وأكد ان غرفة تجارة وصناعة الكويت طلبت اكثر من مرة من الحكومة أن تأخد بيد الحزم في هذا الموضوع، إذ يجب ان توقف السجلات التجارية مع زيادة شدة التدقيق على المتحايلين على القوانين في هذا المضمار، مما يمنع حدوث مشاكل قد يذهب ضحيتها الآباء والامهات العجزة او الشقيقات والزوجات اللواتي لم يكن لهن ذنب سوى أن قام احد المقربين باستصدار ترخيص ايا كان نوعه تجاريا او صناعيا أو غير ذلك باسم احداهن.

موظف عادي وموظف قيادي

فرّق وزير التجارة الأسبق ورئيس مجلس الادارة العضو المنتدب في شركة المقاولات والخدمات البحرية هشام العتيبي بين الموظف العادي والموظف القيادي من حيث الاحقية في الحصول على ترخيص لشركة وعدمه.

وقال العتيبي: إن القانون الذي يحظر على الموظف الكويتي استصدار ترخيص باسمه بني على قاعدة، وليس على استثناء.

وبيّن ان موضوعا قد اعترض سير عمله ذات مرة وصفه بالحساس تم فيه اكتشاف احد الاولاد الورثة بأنه كان موظفا، إذ ان القانون كان يفرض عليه بيع حصته، ما حدا الى استثناء الارض من هذا الموضوع.

وأضاف ان الموظف له الحق في فتح باب رزق له يدر عليه عائدا ماليا يعينه على مصاريف الحياة.

واستطرد بالقول: غير ان هذا يتوقف على المرتبة الوظيفية التي يشغلها المواطن، إذ إن الموظف الذي يتقلد مرتبة قيادية في احد اجهزة الدولة، يجب عليه ان لا يخلط بين وظيفته وبين عمله الخاص بشركة خاصة اسمه لأن هذا من شأنه التأثير على قراراته.

وأضاف ان الرقابة ينبغي ان تكون شديدة على الموظف القيادي أكثر مما هي عليه عند الموظف العادي.

وأكد العتيبي ان الموظف العادي الذي لا يؤثر عمله الخاص على قراراته بحسب موقعه الوظيفي ينبغي السماح له باستصدار ترخيص حتى لا ندع مجالا للتحايل على القانون عبر استخدام أسماء الأهل والمقربين لاستصدار تراخيص بأسمائهم.

«راعي بالين كذاب»

أكد نائب رئيس مجلس الادارة في شركة بوبيان للأسماك عزام الفليج عدم امكان المزج بين العمل في القطاع الحكومي والعمل في القطاع الخاص من ناحية النزاهة في العمل.

وبيّن الفليج ان منع الاشتراك في عضوية مجلس الادارة في اية شركة او امتلاك اية شركة مع اية صفة وظيفية رسمية حكومية من شأنه ترجيح المصالح الشخصية على المصلحة العامة او تسخير الصفة الرسمية لهذا الموظف او ذاك لخدمة عمله الشخصي.

وعلّق الفليج على المشكلات التي تترتب على عمليات التحايل على القانون من حيث حالات الطلاق او السجن للوالدين او سواهما ممن تم استصدار تراخيص بأحد اسمائهم بأن من سولت له نفسه التحايل على القانون فليتجرع مرارة خطئه وليجتر ثمرة تحايله على القانون والتفافه عليه.

وقال ان كل قانون له وجهان كالسيف فقد تستخدمه لمصلحة الناس وقد تستخدمه ضدهم.

وأضاف ان الناس السيئين الذين استخدموا حيلهم للحصول على الثروة بطرق الالتفاف على القوانين والتشريعات، لهم ان يخرجوا انفسهم مما اوقعوا فيه انفسهم وذويهم من مشكلات، ربما اوصلت البعض منهم الى السجن.

الحظر وضع طبيعي

أكد رئيس مجلس الادارة والعضو المنتدب لشركة دار الاستثمار عدنان المسلم ان القانون الذي يحظر على الموظف الكويتي استصدار ترخيص لشركة باسمه هو قانون طبيعي كي يتسنى له التركيز أكثر في عمله.

وأضاف المسلم ان الموظف الرسمي في اية جهة حكومية كانت قد تسوِّل له نفسه استغلال وضعه الوظيفي في الدولة لتمرير شغله الخاص.

ووصف الوضع الراهن من حيث منع الموظفين من المزج بين الوظيفة والعمل الخاص بأنه وضع صحيح.

منع للازدواجية

أشار مدير عام غرفة التجارة والصناعة أحمد راشد الهارون الى ان قانون الخدمة المدنية يحظر على الموظفين الكويتين ممارسة العمل في القطاع الحكومي والعمل التجاري في آن واحد معا.

ولفت الى ان من المفترض تطبيق القانون بحذافيره، متمنيا رؤية القطاع الخاص في معظمه من الكويتيين وأن يكون العامل بالترخيص كويتيا، خصوصا ان الكويت تعاني مشاكل توافر الفرص العاملة الموجوده فيه.

ونوه الى ان نحو 120 ألف ترخيص اصدرتها وزارة التجارة والصناعة، بيد ان من يعمل بهذه التراخيص من الكويتيين عدد قليل جدا قياسا مع عددها هي.

وبيّن انه لو سمح للموظف الحصول على تراخيص سيكون هناك ازدواجية في العمل، بين كونه موظفا حكوميا وبين العمل التجاري، وهذا من المبادئ التي لا يجوز للموظف الحكومي اختراقها في ان يكون تاجرا وموظفا رسميا في وقت واحد منعا لتضارب المصالح.

بحاجة إلى دراسة

وصف رئيس مجلس ادارة بنك الكويت الدولي عبدالوهاب الوزان عملية فصل العمل الرسمي عن العمل الخاص والقوانين الناظمة لها بأنها عملية ليست بالبسيطة وهي -حسب قوله- بحاجة الى دراسة متأنية ودقيقة في ظل وجود ما يقارب الـ150 الف ترخيص من اصحابها موظفون استصدروها تحت اسماء الزوجات او الامهات والشقيقات او الآباء.

واشار الى ان امثال هؤلاء قد يلجأون الى استغلال مناصبهم الوظيفية الرسمية لأمور شخصية، وهذا ما يحتم فصل التعاملات التجارية عن التعاملات الوظيفية الرسمية.

وأضاف ان عملية معالجة المشكلات المترتبة على هذا الامر ستجد صعوبة اكبر من عملية معالجة الامر نفسه، وفي الوقت ذاته -والكلام للوزان- فإن هذه القضية ينبغي دراستها بأبعادها كلها دراسة مستفيضة لمعالجتها معالجة جذرية، مع عدم الاضرار بالوضع الاقتصادي عموما وبالوضع الوظيفي أيضا.