يزيل اقتراح إلغاء قانون «منع الاختلاط» خلطاً في المفاهيم تسبب في خلل جوهري يمس حياة الشباب الكويتيين ووظيفة التعليم. ومن فوائد الاقتراح فتح الباب واسعاً لتصحيح النقاش في المجتمع من خلال تبادل الرأي والتنبيه إلى مكامن العلل وثني أصحاب القناعات الجامدة عن اعاقة التطوير، بدءا من المجلس والحكومة وصولا الى كل شرائح المجتمع وقواه الحية وأهل الفكر والرأي فيه.

Ad

قبل الاقتراح لم تكن الحياة السياسية راكدة، بل كانت متحركة في مستنقع الانقسامات على قاعدة المصلحة او المنطقة او الطائفة. ولعل الاقتراح يعيد الفرز على قاعدة الأفكار والتوجهات والتحاجج البناء، ذلك ان مطلب الانتهاء من قانون التخلف المنافي للطبيعة البشرية، ولتقدم المجتمعات ولمستلزمات التعليم وشروط فاعلية وبناء شخصية الاجيال ليس مجرد اقتراح نيابي ينتهي بالتصويت، أو يذهب الى أدراج اللجان. انه مسار سياسة ومسار حياة، اذ لا يمكن السكوت، بعد الآن، عن الزحف المدروس على القوانين، الذي مارسته قوى الرجعية في المجتمع الكويتي، بحجة الحفاظ على التقاليد والموروثات، مسخرة التفسير والاجتهاد لمصلحة مشروعها السياسي. ولا يمكن القبول بأن تسقط الكويت في براثن الردة تحت ستار عدم المس بـ«الخصوصية»، ولاسيما أن كل الحجج المساقة في هذا الإطار لها ردودها من خلال الخطاب نفسه، وليس فقط من خارج هذا الخطاب.

ليست مسألة اسقاط «منع الاختلاط» مجرد رغبة في انقاذ «التعليم المشترك» من معوقات أساسية وعملانية تتعلق باستحالة الفرز بين الجنسين لما يترتب عليه من كلفة وتأخر في التخرج، وانخفاض في المستوى، او لما يتسبب به من قطع للتواصل بين راشدين مقبلين على حيوات مشتركة، وتأسيس عائلات حديثة تنطلق من العلاقات البديهية، وبناء الشخصية المتوازنة والصحية، بل إن المسألة تتعدى هذا الهدف الى انقاذ نصف المجتمع من سلسلة التراجعات التي تمس عموماً حقوق المرأة وكرامتها وحقها في المساواة، وانقاذ كل المجتمع من هذه النزعات المعادية للديموقراطية والحداثة، والمفضية الى انتكاسات تعود بالوبال على الحريات ومواكبة العصر والقدرة على التطوير والمنافسة.

اسقاط «منع الاختلاط» خطوة أولى في مواجهة الإرهاب الفكري، الذي يتوسل بالأدوات الديموقراطية لتنفيذ مشروعه الذي لا يتورع عن إثارة الغرائز، وتشويه الوقائع والطبائع، لضبط الحياة وليس فقط الجامعات على توقيت ماضوية تعيسة لم تصلح في سابق الزمان ولن تصلح الآن.

انطلقت مسيرة العودة الى طبيعة الأشياء. ولن تنفع في وقفها مزايدات الانتهازيين لكسب الأصوات، ولا تواطؤ المتلاعبين الذين يفضِّلون المناورة على حساب المبادئ. وأعباء المسيرة ليست محصورة بمجلس الأمة ولا بطرف سياسي. انها ساحة الكويت بكل أطيافها التي يجب ان تبقى مفتوحة للحوار الديموقراطي في ظل القانون والدستور.وليس مطلب العودة الى التعليم المشترك، واسقاط منع الاختلاط سوى مطلب يصحح انتهاكاً للدستور وانتهاكاً لسنة الحياة.

الجريدة