قبل نحو 4 أعوام، دخلت السجن المركزي وزرت عددا من العنابر التي تضم عشرات النزلاء الكويتيين وغيرهم من الوافدين، وفوجئت بوجود عالم آخر فيه أناس آخرون، ومن ضمن هؤلاء شاب كويتي يقبع في عنبر أمن الدولة يدعى «خالد»، فوجئت بوجوده في هذا العنبر لسببين: الأول لأنه ابن هذا البلد والسبب الآخر صغر سنه، فعمره حينها لم يكن يتجاوز 27 عاما أو أقل أو أكثر بقليل، وأذكر أنه سألني: هل أنت صحافي؟ فقلت: نعم، فقال لي: هل تستطيع أن تنشر حكايتي؟ قلت له: ما حكايتك؟ وقبل أن يبدأ بها سألته: ما هو الحكم الذي تقضيه؟ فرد عليّ «السجن المؤبد»، تألّمت مما سمعت، شاب بهذا العمر يقضي حكم المؤبد!

Ad

طلبت من خالد أن يروي حكايته، فقال لي إنه لم يكمل دراسته الثانوية، والتحق أثناء بلوغه سن الـ 18 في صفوف الجيش الكويتي، وبعد أشهر من انضمامه إلى صفوف الجيش الكويتي دخلت القوات العراقية الغازية إلى الأراضي الكويتية عام 1990، وتم القبض على العديد من المواطنين من ضمنهم خالد، وبعد ضرب وتعذيب من قبل الجنود الذين طلبوا منه أن يدلهم على أحد زملائه العسكريين، فما كان من وراء التعذيب والضرب الواقع عليه إلا أن يبلغ على ذلك المسكين الذي انتقلت إليه القوات واغتالت روحه الكويتية الطاهرة، وبعد تحرير الكويت تم الإبلاغ عن خالد أنه هو من أبلغ العراقيين عن زميله، فما كان من حكم القضاء إلا أن حبسه بالمؤبد، وهو محبوس منذ عام 1992.

نظرت إلى خالد وأنا كلّي ألم لحال زميله الشهيد وما آل إليه بسببه، وسألته لماذا لم تضح ِفهناك الكثيرون من ضحوا؟ فرد عليّ: «تعرضت لتعذيب قاس ٍمن جنود المجرم صدام، كما أني لم أتجاوز حينها الـ 18 عاما»، وبعد سماعي لرده تلمست أنه هو الآخر تعرض للتعذيب، خاصة أني تذكرت حينها الحوادث المؤلمة التي تعرض له الكويتيون أثناء الغزو الصدامي الغاشم.

بعد مرور 4 أعوام من لقائي بخالد، أذكر هذا الحادثة ولا أعلم الآن عن هذا الشاب شيئا، وقد يكون الآن أكمل الـ 31 من عمره أو أكثر من ذلك، وسيخرج من حبسه عندما يتجاوز عمره الـ 43 عاما، ولم يتمتع هذا الشاب في حياته أبدا سوى أنه قبع في هذه الزنزانة، التي وضع فيها سيارته المفضلة بلونها الأحمر ليمارس طموحه الشبابي، كما يمارسه شبابنا في الخارج لكن على طريقته الخاصة، وسبب وجوده في هذه الزنزانة هو صدام حسين... ربي لا ترحمه.