العزوف عن الزواج ظاهرة جديدة تسللت إلى المجتمعات العربية وتسرّبت إلى عقول الشباب. ساهمت أسباب كثيرة في تفاقم هذه المشكلة التي استدعت تدخُّل بعض الحكومات للحد منها. «الجريدة» حاورت علماء نفس واجتماع للوقوف على جوانب هذه القضية وأسبابها.

Ad

تؤكد إحدى الدراسات الحديثة أن عدداً لا يستهان به من شباب لبنان يمتلك متطلبات الزواج لكنه عازف عنه لأسباب مختلفة، وفي مصر 6 ملايين عازب، وفي السعودية وصل العدد الى أكثر من مليون. أما في الإمارات فأكدت دراسة أجراها «الصندوق الإماراتي للتوقعات المستقبلية» زيادة عدد العازبين بشكل ملحوظ، ومن المقرر أن يصل الرقم إلى 98 ألفاً في عام 2015م، وفي سورية نصف عدد الشباب عازف عن الزواج أو تأخر عنه، وهو ما جعل الحكومة هناك تتبنى برنامجاً قومياً لمواجهة هذه المشكلة.

اضطرابات نفسيّة

يقول د. سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي، إن «سبب عزوف الشباب عن الزواج، هو خوفهم من الفشل، خصوصا في ظل الحديث المستمر عنه في وسائل الإعلام العربية. المشكلة التي قد لا يدركونها هي أنهم سيتعرضون للوقوع في الرذيلة ولأمراض نفسية وعضوية كثيرة، أما الزواج فيؤدي بهم إلى السمو الأخلاقي والسلوكي في علاقتهم بالجنس الآخر».

ويضيف: « أشارت دراسات طبية إلى زيادة احتمالات الإصابة بأمراض الضغط والسكر والقلب لدى العازب، أما المتزوج فيكون مستقراً اجتماعياً، من خلال تكوين أسرة وخلق علاقات صداقة، ويشعر في قرارة نفسه بأنه إيجابي، ما يساهم في زيادة الجهد وتنمية الملكات والمواهب.

تكاليف باهظة

من ناحيتها تقول د. إنشاد عز الدين، أستاذة علم اجتماع، إن «دراسة هذه الظاهرة أمر يجب أن نضعه في قائمة أولوياتنا، لأنها تهدد البناء الاجتماعي مستقبلاً، سببها الأول اقتصادي وهو غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج، أما الثاني فهو أخلاقي اجتماعي يكمن في الانصراف وراء الملذات. كذلك تسيطر الثقافة الاستهلاكية، التي تجتاح العالم العربي، على معظم العائلات التي لديها فتيات في سن الزواج، فارتفعت معدلات المهور إلى أرقام فلكية وتزايدت الشروط حول مواصفات بيت الزوجية والأثاث وأشياء أخرى، بعد أن أصبح الأمر محل تفاخر الأسر العربية كلها للأسف الشديد، وهكذا أصبح على الشاب، الذي يطمح إلى الزواج، أن يمتلك مبالغ مالية طائلة من الصعب توافرها لدى نسبة كبيرة».

والمشكلة الكبرى تكمن في ازدياد نسبة العنوسة، وساعد توغل القيم الغربية في مجتمعاتنا من خلال الفضائيات، في لجوء الشباب الى علاقات غير شرعية، وهو ما يؤدي بهم، على المدى الطويل، إلى رفض الزواج حتى لو توافرت لديهم الإمكانات المادية، ما يعني زيادة حمى الانفلات الأخلاقي في مجتمعاتنا وتوالد ثقافة الهروب من المسؤولية لديهم «.

تثقيف أخلاقي

عن الحل وما اذا كان ممكنا، تقول عز الدين إنه «يكمن في ضرورة تبني أساليب جديدة في تزويج الأسر لفتياتها بحيث ترقى إلى مستوى معطيات العصر الحاضر، وعلى مؤسسات الدولة كلها التكاتف بهدف تثقيف الشباب والعوائل في الوقت نفسه. نكذلك يمكن للمنابر الثقافية ومنظمات المجتمع المدني أن تؤدي دوراً في وضع العلاجات المناسبة لهذه الظاهرة الخطيرة، وإرشاد المجتمع نحو أنسب الحلول لها».

بطالة الشباب

في السياق نفسه، ترى د. فاطمة عبد الستار، أستاذة اجتماع ، أن «بطالة الشباب هي سبب رئيس في تفاقم هذه المشكلة، لأن العاطل عن العمل إذا ما تزوج سيدخل في مغامرة قد تعصف بحياته الزوجية، لأن تكاليف وأعباءها الحياة ليست باليسيرة. بالاضافة الى ارتفاع مقدار المهور والنفقات التي أضحت شرطاً أساسياً لدى بعض الأسر لتزويج بناتها ودليلاً، من وجهة نظرها، على رفعتهن وقدرهن، فأصبحن كبضاعة أو سلعة تُباع وتُشترى».

وتؤكد عبد الستار أن «نتائج العزوف عن الزواج وخيمة على الفرد والمجتمع، وأخطرها اندثار نواة الأسرة التي هي الخلية الأساسية في بناء مجتمع سليم، فالرجل يفتقد إلى عاطفة الأبوة والمرأة تُحرم من عاطفة الأمومة»، وتشير الى أن هذا العزوف يؤدي بالشباب إلى ارتكاب اخطاء وسلوك غير مستقيم .

للحد من اتساع هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية، علينا أن نشجع الشباب على الزواج والتخلي عن العزوبية، لذلك لا بد من تغيير مفاهيم كثيرة أصبحت بائدة، أبرزها ضرورة الإعراض عن المظاهر المادية السخيفة، فالزواج هو ارتباط بين رجل وامرأة للتعاون على تحقيق ضرورات معيشية وتكوين أسرة سعيدة.