من المؤسف أن يعود الحديث مجددا عن حل غير دستوري، ومن ثم تنقيح الدستور. وهو حديث مكرر تتم اثارته وراء الأبواب المغلقة، وقد حاولنا في سلسلة مقالات تبيان تهافت والتباس وارتباك وضرر هذا المنطق. وكما أسلفنا، فإن منطق تغيير الدستور من طرف واحد سيؤدي الى «تفليش» شرعية الدستور وبالتبعية النظام السياسي برمته، وسيفتح ذلك المنطق الباب على مصراعيه على كل الاحتمالات، وهو اجراء تمت تجربته مرتين فلم يأت على البلد إلا بالخراب والثبور وعظائم الأمور.

Ad

أما من حيث المبدأ فليس هناك اعتراض على تعديل الدستور فالتغيير هو سنة الحياة، لا بل إن الدستور ذاته دعا الى التعديل خلال 5 سنوات من العمل به شريطة أن يتوافق ذلك التعديل مع المزيد من الحريات، ولكن ما جرى خلال الـ 40 سنة الماضية كان عكس ذلك تماما.

فبعد فشل التزوير عام 1967 في تحقيق أي هدف عدا الاضرار في صدقية النظام السياسي، بدأت بوادر جدية معركة تنقيح الدستور عام 1976 عندما نص الأمر الأميري في حل مجلس الأمة على تشكيل لجنة للنظر في تنقيح الدستور في مادته الخامسة، مؤكدا على «تشكيل لجنة من ذوي الخبرة والرأي للنظر في تنقيح الدستور لتلافي العيوب التي أظهرها التطبيق العملي وتوفير الحكم الديموقراطي السليم والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، على أن يكون التنقيح متفقا مع روح شريعتنا الغراء، مأخوذا من تقاليدنا العربية الكويتية الأصيلة». كما تم تحديد فترة عمل اللجنة بستة أشهر من تاريخ تشكيلها وأن ترفع مقترحاتها الى مجلس الوزراء الذي يرفعه بدوره الى سمو الأمير ثم يعرض المشروع للاستفتاء العام أو يعرض على مجلس الأمة المقبل لاقراره خلال مدة لا تزيد عن أربع سنوات.

وهكذا بدأت معركة الدستور من طرف واحد، ففي هذه المعركة خندقان لا ثالث لهما، خندق يرى تنقيح الدستور بأدوات غير دستورية وفرض ذلك التنقيح قسرا على الناس، ومضمون ذلك التعديل هو الغاء فعلي لصلاحيات مجلس الأمة، متخذين من المجلس الوطني نموذجا، ولا بأس من استخدام الاستفتاء لاقراره وهو أداة غير دستورية بالأساس.

واستنادا الى هذا المنطق يتشكل الخندق الآخر الرافض لتنقيح الدستور الداعي الى عدم العبث بالدستور خارج الاطار الدستوري. ويتضح أن الجدل، ولا أقول النقاش، حول الموضوع قد تحول في بعض الأحيان الى أوضاع هستيرية وربما عصابية. ولكن لماذا هي هكذا؟ ولماذا استمرار حالة الاحتراب الداخلي التي أنهكتنا وأرهقتنا وأهلكت الحرث والنسل؟

تشكلت لجنة النظر في تنقيح الدستور في العاشر من فبراير 1980 أي بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة على حل المجلس على أن ترفع تقريرها لرئيس مجلس الوزراء خلال مدة أقصاها 6 أشهر. كان واضحا أن تشكيل اللجنة قد عانى تلكؤاً وارتباكاً، حيث مورست ضغوط قوية على عدد من الشخصيات لكي ينضموا إلى عضوية اللجنة وذلك في وجه حملة شعبية متصاعدة ضد اللجنة وضد تنقيح الدستور.

كما كان واضحا أن الحكومة، وعلى الرغم من قيامها بتشكيل اللجنة، فإنها لم تكن حينئذ تعرف ماذا تريد بصورة دقيقة، فالفكرة العامة كانت اضعاف صلاحيات مجلس الأمة وبالتالي الجانب الشعبي. وهكذا ظلت اللجنة حائرة في كيفية عملها وتنظيم مهامها من دون جدول أعمال واضح، ومشروع حكومي محدد المعالم. وقد نتج عن ذلك مطالبة عدد من أعضاء اللجنة الحكومة بتقديم مشروعها ما أدى إلى رضوخ الحكومة في نهاية الأمر.

وهكذا اتضح جليا أن مشروع الحكومة لم تكن له على أي حال علاقة «بشريعتنا الغراء» أو «تقاليدنا العربية الأصيلة»، بل كان مشروعا لإلغاء الدستور وتحويل مجلس الأمة الى مجرد مجلس استشاري.

إلا أن الملاحظ أن اللجنة التي تم تشكيلها في ظروف محلية واقليمية مثيرة للجدل، وعلى الرغم من كون اعضاءها من المعينين، وانهم كانوا قد تعرضوا لحملة شعبية قاسية ضدهم، فإنهم في المحصلة لعبوا دورا ايجابيا أو فلنقل وطنيا، حيث رفضوا مقترحات الحكومة المناهضة للديموقراطية. ولم تحصل الحكومة على ما تريد.

وقد انتهت اللجنة من مهمتها في 22 يونيو 1980 بعد أن عقدت 18 اجتماعا واطلعت على 13 مقترحا مقدما من الحكومة لتنقيح الدستور ومقترح واحد من أعضاء اللجنة، وأوصت في تقريرها النهائي بتنقيح مادتين وهما المادة الثانية حول الشريعة الاسلامية وتعديل المادة 80 من الدستور بزيادة عدد أعضاء البرلمان من 50 الى 60 عضوا. وهي توصية لم تطلبها الحكومة أصلا.

وقد اتضح حجم الارتباك وضعف التدبير والاحباط بأن تم اخفاء تقرير اللجنة، بل واختفاء اللجنة ذاتها من على المسرح السياسي من دون أن يلاحظ ذلك أحد.

ولما لم تتمكن الحكومة من استخدام اللجنة في تمرير مقترحاتها اضطرت إلى الخيار الأصعب وهو اللجوء الى مجلس الأمة، فكانت الدعوة بتاريخ 24 اغسطس 1980 لاجراء انتخابات نيابية جديدة بشهر اكتوبر. وحيث ان القرار كان محفوفا بالمخاطر السياسية، كان لا بد من اجراء استباقي من خلال تغيير الدوائر وزيادتها من 10 دوائر الى 25 دائرة انتخابية. وقد تم تقسيم الدوائر بصورة دقيقة لضمان عدم نجاح أي مرشح قد يعارض تنقيح الدستور، وقد تمت «الاستفادة» من أحد الخبراء الأمنيين العرب في هذا الخصوص. وقد نجحت الحكومة في مسعاها بتـأمين أعضاء مؤيدين لها في مجلس 1981 بنسبة تزيد عن %85.

وكم نتمنى أن تكون نسبة النجاح نصف هذه النسبة في التنمية والصحة والتعليم والاقتصاد وغيرها ولكن...

وهكذا دخلت الحكومة بكامل قوتها واثقة من نفسها الى مجلس 1981 لتنقيح الدستور. ولذلك الأمر حديث آخر.