Ad

القات منتشر في الصومال رغماً عن أنف الجميع، ولا يبدو أن المجتمع الصومالي المحافظ يجد فيه أي غضاضة أو تناقض مع أي من المفاهيم أو القيم أو التعاليم الإسلامية، ناهيك عن الضرر الماحق الذي يحدثه القات وتجارته على اقتصاد الصومال.

على الرغم من كل التدمير والتفكيك الذي تعرضت له، ومازالت، الدولة الصومالية خلال الـ17سنة الماضية، فإنه من الملفت للنظر أن هناك ثلاثة مناشط تعمل دون توقف وبكفاءة عالية، وفي دقة متناهية تتفوق فيها على الكثير من البلاد المستقرة، فقد لاحظت خلال زياراتي المتكررة للصومال خلال السنوات الماضية أن تجارة القات، والهواتف النقالة، والتحويلات المالية تعمل مثل الساعة السويسرية لا يوقفها حدث ولا تؤثر فيها معارك ولا يضرها جفاف.

ويستهلك القات دخل الصوماليين بصورة كبيرة وعادة ما يأتي من كينيا على طائرة خاصة تحط في المطار وتلقي بحمولتها للوكلاء المحليين وتعاود الطيران مرة أخرى، وقد لاحظت أن الزمن والالتزام به في هذه العملية دقيق جداً، ولايبدو أن له علاقة بما يحدث في الصومال. وقد تصادف وجودي مرات عدة في مطارات مختلفة (نقول مطار مجازاً طبعاً) في وقت وصول طائرة القات (بلونيها الأخضر والأصفر) فأصبحت عادة لي أن أحسب الوقت منذ هبوط الطائرة، وإنهائها مهمتها ومغادرتها فلم تتجاوز في اسوأ الحالات الـ 20 دقيقة بالتمام والكمال، وفي إحدى المرات كانت 12 دقيقة.

وقد لاحظت أن طائرة القات لاتكون عادة من تلك الطائرات «الكحيانة» التي نستخدمها فهي لا تتزود بالوقود من المطار، ولكنها تكون معبأة بوقود كاف لرحلتها ذهاباً وإياباً، ويبدو أن ذلك يحدث لدواع أمنية، المهم أن القات منتشر بالصومال رغماً عن أنف الجميع، ولا يبدو أن المجتمع الصومالي المحافظ يجد فيه أي غضاضة أو تناقض مع أي من المفاهيم أو القيم أو التعاليم الإسلامية، ناهيك عن الضرر الماحق الذي يحدثه القات وتجارته على اقتصاد الصومال.

أما سياسياً، فللقات تأثيراته وصولاته وجولاته وأتذكر في إحدى المرات في مدينة هيرجيسا وكنت في زيارة عمل لوزير الداخلية في منزله لبحث موضوع الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين، وكنا نتداول في الموضوع، ولكن معالي الوزير كان يضطر للمغادرة لشيء من الوقت ثم يعود لمواصلة الحديث، وكانت مغادرته تتم بعد ضغط من أحد أصدقائه في غرفة أخرى بالمنزل، وشعرت حينها بأنني كنت ضيفاً ثقيلاً... فالرجل يريد أن يواصل جلسة القات الخاصة في الغرفة الأخرى، وأنا والوفد المرافق لي نتحدث عن سجون واعتقال وتعذيب ولجان أمنية، بالتأكيد انها كانت موضوعات تطير المزاج وتخرب الانسجام، فما كان مني وبعد أن أكملت النقاط الأساسية إلا وقررت المغادرة أملا في بحث الموضوعات بجدية أكثر مرة أخرى مثل هذه المواقف كثير، ونتج عنها مواقف محرجة، وربما يكون لها حديث آخر أكثر تفصيلا.

الشاهد أن هناك أشياء وأنشطة تعمل في الصومال بدقة وكفاءة عجيبة بغض النظر عن الانهيار العارم للدولة ومؤسساتها، وهي ليست القات وحده فالأساس الاقتصادي يعتمد على التحويلات المالية القادمة من الصوماليين العاملين بالخارج ولذلك حديث آخر.