كيف ترى وضع العائلة الكويتية الآن مقارنة بفترة السبعينات وما قبلها؟ 

Ad

تأثرت العائلة الكويتية كغيرها من العائلات في المجتمعات الأخرى بالتطورات الهائلة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والاتصالات، ولعل أبرز ما حدث هو أن وسائل الاتصال الحديثة قربت البعيد وأبعدت القريب وساهمت في انعزال الفرد عن المجموع الذي كان يعيش ضمنه الى حد بعيد، و أصبح الفرد  يختار مصاحبة الأجهزة: التلفزيون، الفيديو، المسجلات والكمبيوتر. لقد تحولت البيوت الى فنادق، فالفرد، وبخاصة من فئة  الشباب، يدخل غرفته ويبقى فيها ساعات  طويلة، منصتاً الى الأجهزة أو متحاوراً من خلالها، ولا يشارك أفراد عائلته الاجتماع على وجبة واحدة فى اليوم. وثمة عامل آخر أدى الى تراخي الترابط الأسري، يتمثل فى المفاهيم المتشددة التي وفدت الى الكويت مع ما سمى بالصحوة الإسلامية، فقديماً كانت الأسر برجالها ونسائها، بالشبان والشابات، تتزاور ويجتمع الكل معاً، وقد يذهبون فى رحلات جماعية الى البر إلى  بلدان أخرى. ولم يكن هناك فصل حاد بين الرجل والنساء كما هو حاصل الان فالأصدقاء يلتقون فى تجمعات أسرية تقوم على المودة والاحترام. أما اليوم فليس في إمكان الفرد الدخول إلى  بيوت أعمامه وأخواله إلا بشق النفس. وقد أدى العاملان المتناقضان، تطور التكنولوجيا والاتصالات من جهة وشيوع الغلو الديني من جهة أخرى، إلى إضعاف الترابط الأسري.

هل تشكل التغيرات الاجتماعية والثقافية الكبيرة هذه صدمة لوعي الإنسان الكويتي، أم أن الأمر يسير في شكله العادي وفق نواميس الطبيعة؟

المتغيرات الثقافية التى تدفع في اتجاه التطور والتفاعل مع مستجدات العصر لا تشكل صدمة لوعي المواطن الكويتي، فالمجتمع بحكم طبيعة نشأته وتشكله وفق بنية ثقافية منفحتة يملك القدرة على استيعاب التغيرات التى تقتضيها سنّة الحياة وحتمية التطور. غير إن الصدمة حاصلة الآن نتيجة المتغيرات الثقافية المعكوسة،  المضادة لطبيعة الأشياء ولمنطق التاريخ، والمتمثلة في إصرار قوى  فكرية أصوليه متشددة على تجاوز حقها فى ممارسة قناعاتها الى فرضها بالقوة والابتزاز ضد الجميع، وإخضاع المجتمع لتلك القناعات، والسعي الى إلغاء المنجزات التي حققها الكويتيون بنضالهم الشاق لتحديث مجتمعهم و تطويره . إني غير مطمئن الى المستقبل، فحين يقدر للقوى الفكرية الأصولية الاستمرار فى اختطاف النموذج الكويتي وتدمير الأسس التي قام عليها فسوف يتفجر ذلك النموذج ويتلاشى فى زمن أقصر بكثير مما نتوقع. كنت ذكرت فى مناسبات سابقة ان الحكومة الفعلية التى تدير الكويت هي الحكومة الموازية التي تمثل القوى الأصولية المتشددة، أما الحكومة الشرعية المشكلة حسب الدستور فهي مغيبة، وعناصرها  مستسلمة للابتزاز على نحو يشكل خطراً على مستقبل الكويت وينذر بتفجير صراعات شبيهة بما نشهد في أقطار مجاورة. إن الإجابة عن سؤال واحد من جملة أسئلة عديدة يكفى لمعرفة الحكومة الحقيقية التي تدير الكويت. والسؤال هو: من الذي يضع المناهج الدارسية التى تبنى على أساسها عقول أبناء الجيل الجديد؟ ومن الذي يحدد للمواطن  ما يقرأ وما لا يقرأ؟ ومن الذين تملأ كتبهم ومنشوراتهم  وملصقاتهم وإعلاناتهم غير المرخصة المرافق الدينية والتعليمية  والاجتماعية  والصحية والشوارع  والجدران؟ ومن الذين يحاربون  ثقافة الحياة وتذوق جمالياتها  ويروّجون  لثقافة الموت والخرافة؟ ومن الذين ينشرون فى كل الأحياء  السكنية باسماء اللجان المتعددة ويقومون باستدراج الأطفال والشباب وغسل أدمغتهم وتفخيخها وانتزاع انتمائهم للوطن وتحويلهم الى متفجرات آدمية؟. هل يتم كل ذلك  تنفيذاً لفلسفة  الحكومة الشرعية أم الحكومة الأخرى الموازية. إن الاجابة عن هذا السؤال تكشف عن الحكومة  الفعلية التي تقوم بإدارة  الكويت.

 هل يمكن ان ننغلق على ذواتنا  بعيداً عن المتغيّرات من حولنا؟

الأصل ألاّ ننغلق على ذواتنا  وأن نتفاعل مع المتغيرات من حولنا، لأن  المستقبل لا يرحم  من يتخلفون عن اللحاق بركبه. لكن هناك  من يريدون لنا أن ننغلق  وأن نبقى أسرى  توجيهاتهم وأن نكون مخدّرين بفعل ثقافة الخرافة التى يحصرون بها أبناءنا وبناتنا ويرعبونهم إن هم خالفوها.

في عصر العولمة والانفتاح الدولي هل تستشعر خطراً ما يحدق بثقافتنا العربية؟

لم تعد هناك ثقافة وطنية أو قومية خالصة، وبخاصة في هذا الزمن. ثقافتنا هي حصيلة تراكمات ثقافية عديدة تجمعت عبر العصور وتفاعلت فأنتجت مزيجاً ثرياً ولا يضرها ان تنفتح على الأخرى في عصر العولمة كما انفتحت في العصور الإسلامية الأولى وأفادت من ثقافة بلاد فارس والهند واليونان وأخذت منها ما ينفع ونبذت ما لا يلائمها

متى تتخذ قراراً بأن تصادق أحد أبنائك بعيداً عن تسلط الأبوة ؟

أعتقد أنني صديق لأبنائى وبناتي منذ قدموا الى هذه الحياة أما التسلط  الأبوى فلم أمارسه ، وهذا السلوك مع الأبناء لم يأت نتيجة لتنازلي عن حق أملكه تجاههم لكنه سلوك طبيعي تقتضيه طبيعة العصر وقيمه. حين أقترح على ابني الصغير فارس امرأ، وهو تلميذ فى المرحلة  الثانوية  يكون رده فى بعض الأحيان : دعنا نناقش الموضوع ، فإن أقنعتني  وجب على الأخذ  برأيك، وإن أقنعتك فيجب عليك أن تعدل عن اقتراحك. هذا المنطق لم يكن مقبولاً فى الحوار بيني وبين والدي رحمه الله، أما اليوم فهو مقبول ومرغوب فيه بسبب تغير الزمن وتبدل المفاهيم  والقيم.

متى تشد الخيط  أو ترخيه مع أبنائك ؟

أظن أننى لا أجيد شد الخيط  مع الأبناء والبنات لأنهم شديدو التهذيب معي، وحين كانوا صغاراً  كانت زوجتي المتخصصة فى علم النفس والاجتماع أقدر منى على شد الخيوط  معهم عند الضرورة المتعلقة في الغالب بساعات مذاكرة الدروس وقد أثمرت  جهدها فكانوا من المتفوقين والحمد لله.

 هل تعتقد أن نجاح الابن  فى حياته مرتبط بنجاح أبيه ؟

لا أعتقد بصحة هذا الرأي في شكل مطلق، فهناك أبناء كثر أصابوا درجات عالية من النجاح  في حين كان آباؤهم مخفقين في حياتهم.

هل ترسم طريق المستقبل لأبنائك من حيث التخصص العلمي والمهني مثلا أم تترك لهم حرية الاختيار ؟

الأصل أن يكون الخيار فى التخصص العلمى والمهنى لهم، لكنهم يتشاورون معي ومع أمهم ثم يقررون مايرونه الأصلح لهم.

 هل تتخذ قراراً بقطع علاقتك بشخص ما، صديق مثلاً، ومتى يكون ذلك؟

قطع العلاقة بصديق من أصعب القرارات  التي قد يضطر أي منا إلى اتخاذها. ومثل هذا القرار لا يحدث إلا اذا بلغت الأمور حدوداً يصعب  معالجتها بغيره. لكن الأمر المؤسف هو ان تفقدك كلمة الحق ـ التي لا تستطيع  أن تكتمها – الصديق تلو الأخر.

يقول بعضهم إن الأشخاص الذين تربطهم علاقة بداوة مثلا أو قبلية هم أكثر ترابطاً من العوائل الصغيرة المتمدنة ، ما رأيك ؟

هذا القول صحيح بصفة عامة، فثقافة البادية وقيم القبلية  توجب قدراً اكبر من التكافل والترابط والنصرة، أما ثقافة المدينة التي تحكم الأفراد أو الأسر الصغيرة فقد أدت الى تراخي الترابط والتكافل.

هل ترى أن الأسرة الكبيرة  الممتدة في مجتمعاتنا العربية إلى زوال؟

بلى، الأسرة الكبيرة الممتدة تتجه نحو التفكك، إن لم تكن تفككت بالفعل، في معظم المجتمعات العربية .

اذا لم تكن شاعراً وباحثاً أكاديمياً، ماذا كنت تتمنى أن تكون ؟

كنت أتمنى ان أكون من رجال القانون، غير ان عدم افتتاح كلية للحقوق فى بدء إنشاء جامعة الكويت حال دون تحقيق تلك الرغبة.

هل تشعر بالرضى عما حققته فى حياتك؟

كلا لا أشعر بالرضى، وأعتقد أنني لم أحقق الكثير من الأفكار والمشروعات البحثية  والإبداعية التى تمنيت تحقيقها. قد يعود السبب فى ذلك الى العمل الادارى الذي استهلك قدراً كبيراً من طاقتي وعمري. والآن  لدي أفكار كثيرة  ومشروعات  مؤجلة، لكن لم يبق متسع من الوقت  والطاقة لانجازها. أما العمر الذي تقطعه المفاجآت مثل حوادث المرور أو الأمراض ذات الإيقاع السريع  فقد لا يتسع لانجاز مشروع واحد. قبل نحو أسبوع صدمني مواطن أسيوي بسيارته متجاوزاً كل قواعد المرور، وكاد يذهب بي الى الصليبيخات قبل إنجاز المشروع الذي اشتغل فيه هذه الأيام. هذا الحادث جعلني أفكر في استثمار الوقت بشكل أفضل، الإنجاز ما يمكن انجازه، قبل فوات الأوان، إذ ان في الكويت مهازل مرورية تجعل الخارج من بيته مفقوداً، والعائد اليه مولوداً.