لم يقبـل بوش بتأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية ولو للحظة واحدة، وهو لم يكتشف إلا متأخراً جداً أن ما قاله له محمود عباس (أبو مازن) كان في غاية الأهمية ...لقد اكتشف،

و«بصعوبة»، أن «حماس» لم تعد جزءاً من الإخوان المسلمين الذين تحالفوا مع أميركا والغرب خلال الحرب الباردة، بل إن هذه الحركة غدت جزءاً رئيسياً من الحلف العسكري والسياسي الإيراني.

Ad

عشية آخر انتخابات تشريعية فلسطينية، وهي التي فازت فيها «حماس» ذلك الفوز الساحق، حاول محمود عباس (أبو مازن) في إحدى زياراته الى الولايات المتحدة إقناع الرئيس جورج بوش بضرورة تأجيل تلك الانتخابات ولو لثلاثة شهور فـ «فتح» غير مستعدة ...والمال الإيراني يفعل فعله في غزة والضفة الغربية والفلسطينيون بحاجة الى فترة التقاط أنفاس حتى تكون خياراتهم صحيحة وليست مجرد رهان عشوائي على مجهول لا يعرفونه ولا يسمعون منه إلا الشعارات والمبالغة في تضخيم أخطاء الآخرين.

لكن جورج بوش، الذي كان لايزال مقتنعاً بأن العناية الإلهية هي التي جاءت به وأرسلته الى البشرية لـ « يملأ الأرض عدلاً بعد أن امتلأت جــوراً»، رفض ما قاله (أبو مازن) رفضاً قاطعاً وقال، وهو يضـــرب الطاولة التي أمامه بيده : «الآن .. يعني الآن .. هل فهمت يا Mr Chairman».

في تلك الفترة كان الرئيس جورج بوش لايزال يعيش هاجس كارثة الحادي عشر من سبتمبر، وكان قد بدأ يشعر بأن الإرهاب لا يُعالج ولا يحارب بالقوة العسكرية والاستخبارية فقط، وكان بعض مستشاريه قد أقنعوه بوجود إسلام متطرف وإسلام معتدل، وأنه من أجل الانتصار على التنين الإرهابي فإنه لابد من التحاور مع الإسلام المعتدل والتحالف معه واستيعابه لتوظيفه لمواجهة الإسلام المتطرف المتمثل بـ «القاعدة» و «طالبان» وكل ما تفرع عنهما في العالم كله.

...وهكذا ولأن الإسلام المعتدل، وفقاً لقناعات مستشاري الرئيس بوش هو «الإخوان المسلمون»، فقد بدأت الإدارة الأميركية تتحدث عن ضرورة عودة العلاقات بين هؤلاء وبينها وضرورة الاستعانة بهم ضد «الإرهاب الإسلامي»! كما كانت استعانت بهم خلال الحرب الباردة، من عقد خمسينيات القرن الماضي وحتى بدايات عقد تسعينياته، وكانت ذروة هذه الاستعانة خلال «الجهاد» الذي قاده جهاز الـ «سي . آي . إيه» ضد الاتحاد السوفييتي في أفغانستان.

لم يقبـل بوش بتأجيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية ولو للحظة واحدة، وهو لم يكتشف إلا متأخراً جداً أن ما قاله له محمود عباس (أبو مازن) كان في غاية الأهمية ...لقد اكتشف، و «بصعوبة»، أن «حماس» لم تعد جزءاً من الإخوان المسلمين الذين تحالفوا مع أميركا والغرب خلال الحرب الباردة وقاتلوا تحت أمرة مخابراتها لطرد الجيوش السوفييتية من أفغانستان، بل إن هذه الحركة غدت جزءاً رئيسياً من الحلف العسكري والسياسي الإيراني، وأنها إذ تثير كل هذه القلاقل في غزة فإنها تقوم بهذا خدمة لهذا التحالف وعلى غرار ما يفعله حزب الله في لبنان وما تفعله «فتح – الإسلام» في نهر البارد .

لقد اكتشف جورج بوش، الذي سيجتمع قريباً بكبار مستشاريه لمراجعة واقع الشرق الأوسط في الذكرى الخامسة لإعلانه الشهير الذي دعا فيه الى قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل، أنه كان واهماً جداً، بل وجاهلاً جداً، عندما راهن على تنظيمات شمولية، لاتزال أقدامها تنغرس في عصر «الغول والعنقاء والخل الوفي»، وعلى قوى مذهبية غارقة في الشعور بـ « الظلم التاريخي» حتى أعناقها، لإنجاح الديموقراطية في العـراق الذي كان يجب أن يمر، حتماً، بفترة انتقالية وفي فلسطين (الضفة الغربية وقطاع غزة) التي لاتزال تحت الاحتلال الإسرائيلي المباشر والتي كان خيار شعبها، عندما جرت الانتخابات التشريعية الأخيرة، غير صحيح وغير دقيق نتيجة الإحباط ونتيجة ممارسات السلطة الوطنية السيئة خلال نحو عقد ونصف العقد من الأعوام!

كاتب وسياسي أردني