أن تأتي المبادرة متأخرة خير من ألا تأتي أبداً. لكن المبادرة الحكومية، التي تمثلت بالقرار المسؤول والشجاع في إلغاء الكوادر، يجب ألا تبقى يتيمة، وألا تكون صحوة في سياق سبات فتح المجال للاستقواء على الدولة، وعلى القانون، وعلى خلط حابل الحقوق بنابل اقتناص الفرص وتصيد ضعف الأداء.

ما قامت به الحكومة تُشكر عليه. لكنه واجبها وليس منّة منها. فأقل حقوق الناس على حكومتهم أن تحفظ حقوقهم وتحفظ مبدأ المساواة، حينئذ لن يجادلها أحد في تطبيق القانون وفرض هيبة النظام وإعادة المطالبات إلى أطرها الصحيحة.

Ad

يأمل الناس أن تكون الخطوة الحكومية بداية مرحلة تتسم بروح قيادية متجددة دفع غيابها الناس إلى الشعور بضرورة أخذ حقهم بالقوة سواء عبر الاضرابات، أو الاصطفافات الشعبوية، أو التمترس خلف ولاءات وعصبيات. وهي الروح القيادية التي لا يمكن أن تتحول إلى نهج مقبول ومحترم ومؤيد إذا لم تتسم بثلاثة عناصر، هي: العدل والحزم واحترام الحريات. فغياب أي عنصر كفيل بضرب هذه الروح وتحويلها إلى عبث أو تسلط أو ضعف.

لن نتردد في كشف عيوب الحكومة ومثالبها أو نقاط الضعف في أدائها، مثلما لا نتردد في الشد على يدها حين تأخذ القرار الصائب. فإلغاء الكوادر كان يجب أن يحصل لأنه تحول إلى فوضى تولد فوضى. لكنه مثال يجب أن يرفده سلوك اصلاح مستمر يقوم على مكافأة المنجزين، ومحاسبة المقصرين ورفع الغطاء عن الذين يعتقدون أنهم فوق القانون، محولين الدولة إلى أداة لخدمة مصالحهم، وباب للارتزاق والارتقاء.

انه توجه يرفع معنويات الناس، ويمتّن العقد الاجتماعي ويفسح في المجال للانطلاق في الاصلاح. فالبلد في النهاية يقوم على النظام، وليس على الفوضى، وعلى المساواة وليس على السكوت عن الظلم أو التواطؤ ضد المظلومين... لكنه أولاً وأخيراً يقوم على الحريات التي لا يمكن المساومة عليها بحجة تطبيق النظام.

انها المعادلة المضمونة من الدستور، والتي لا تحتاج، لممارستها واعتمادها، إلا إلى روح قيادية متوثبة، نأمل جميعاً أن تكون آخذة في التشكل هذه الأيام.

الجريدة