Ad

هل كان العبسي مجرد عنوان لحرب أرسلت إلى لبنان كهدية أخوية من الخارج، وانه بمجرد اندلاع القتال جرى سحبه وإعادته إلى مواقعه السابقة خوفاً من أن تضعه «زلَّة قدم» بين أيدي محققين جادين فينكشف أمر مسرحية «نهر البارد» من أولها إلى آخرها وتُكتشف الجهة التي أعدت هذه المسرحية وحولت مخيماً فلسطينياً بائساً إلى مسرح لها؟

بعد أن تراجعت زوجته «رشدية» عن أقوالها السابقة وقالت، في شهادة جديدة أمام المحقق العدلي اللبناني في حرب مخيم نهر البارد القاضي غسان عويدات، إنها أخطأت في أقوالها السابقة وان الجثة التي عرضت عليها ليست جثة زوجها فإن اختفاء شاكر العبسي كما مجيئه إلى لبنان غدا أحجية... أقُتِلَ أمْ لم يُقْتلْ؟... هل هرب أم لم يهرب؟... هل لايزال مختبئاً في مكان ما في الأراضي اللبنانية؟!

أسئلة يتداولها اللبنانيون، الذين تتقاذف أحزابهم وقواهم السياسية الاتهامات كما تتقاذف الجمر، لا نهاية ولا أجوبة لها، فـ«العبسي» غدا لغزاً من ألغاز هذه المرحلة اللبنانية التي بدأت ألغازها عندما زُجَّ باسم لاجئ فلسطيني مسكين هو أحمد أبو عدس في جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وان المحكمة الدولية التي من المفترض أن تحاكم الفاعلين الحقيقيين الذين ارتكبوا هذه الجريمة قد تشكلت، لكن هذا اللغز بقي لغزاً ووالدة «أبو عدس» هذا لاتزال تنتظر ولدها الذي خرج، أو الذي أُخرج، ولم يعد!!

إما ان العبسي كان مجرد عنوان لحرب أرسلت إلى لبنان كهدية أخوية من الخارج وانه بمجرد اندلاع القتال جرى سحبه وإعادته إلى مواقعه السابقة خوفاً من أن تضعه «زلَّة قدم» بين أيدي محققين جادين فينكشف أمر مسرحية «نهر البارد» من أولها إلى آخرها وتُكتشف الجهة التي أعدت هذه المسرحية وحولت مخيماً فلسطينياً بائساً إلى مسرح لها، وإما ان الذين وضعوا له لحية «جهادية» وأرسلوه إلى هذا البلد المظلوم دائماً أخرجوه من المخيم المحاصر بطريقة من الطرق ونقلوه إلى وكْر آمن من بقايا أوكار «الأمن المستعار»!! وإما انه استدرج إلى خارج هذا المخيم وقتل وجرى إخفاء جثته لتختفي أسرار هذه الحرب إلى الأبد!!

الآن هناك موقوفون لدى الأجهزة الأمنية اللبنانية والآن هناك تحقيقات مكثفة مع الذين تم إلقاء القبض عليهم من مساعدي هذا «العبسي» وقادة عصابته... والمفترض أن يتذكر المستعجلون لمعرفة نتيجة هذه التحقيقات كلها ليعرفوا الحقيقة ويوقفوا القيل والقال، بيت الشعر الذي يقول «ويأتيك بالأخبار من لم تُزودِ»... لكن يبدو أنه لا أخبار قريبة بالنسبة إلى هذا الأمر على الطريق.

في اواخر عقد سبعينيات القرن الماضي عاد الصحافي المبدع صاحب مجلة «الحوادث» الشهيرة سليم اللوزي إلى لبنان ليتقبل التعازي بوفاة والدته وبعد التعازي قامت جهة مجهولة «جداً» باختطافه، وهو على طريق مطار بيروت، بينما كان في رحلة العودة إلى العاصمة البريطانية حيث كان يقيم ويصدر مجلته، التي كان هرب بها من لبنان إلى عاصمة الضباب... مربط خيل العرب بعد اندلاع الحرب الأهلية الأخيرة، ثم وُجد في صبيحة اليوم التالي مقتولاً على طريق بحمدون- عالية برصاصة في رأسه وبقطع لسانه وبسمْل عينيه وبحرق يده بإغراقها بدورق مملوء بالأحماض الأسيدية.

لم يجرؤ أي كان على قول الحقيقة بالنسبة إلى هذه الجريمة البشعة التي قُيِّدت على ذمة مجهول... وفي وقت لاحق قُتل المصور الصحافي الذي التقط صور الجريمة وقتل راعي الأغنام الذي قيل إنه شاهد الذين ألقوا جثة سليم اللوزي المشوهة في دغل من أدغال غابات الصنوبر في تلك المنطقة، ثم بعد ذلك قُتل رجل قيل إن هذا الراعي الذي قد تحدث إليه، وقد قيل أيضاً من قبيل «النكتة» انه جرى قَتْل كل أغنام القطيع الذي قُتِلَ راعيه... وهذا ما كان يفعله جوزيف ستالين الرهيب وما كان يفعله بينوشيه وما كان يفعله صدام حسين برفاقه ثم يذرف الدموع السخية الكاذبة عليهم!!

أين العبسي... وما قصته؟! لا أحد يعرف حتى الآن. وأين (أبو عدس)... وما قصته؟ لا أحد يعرف حتى الآن. والخوف كل الخوف أن تجري لفلفة جريمة اغتيال رفيق الحريري فيأتي يوم يسأل السائلون عن الحقيقة فلا يجدون أي جواب!!

* كاتب وسياسي أردني