غالباً ما يكون الفرق واضحاً بين العمر المدوّن في السجل المدني وذلك الوهمي الذاتي. إليكم هذا التحقيق الذي يلقي الضوء على هذا الفارق العميق الذي يعنينا جميعاً مهما كان عمرنا. عندما كنت في العاشرة من عمري كان يخيّل إليّ أني راشدة وعندما بلغت الـ 32 واجهت أزمة الأربعينات ثم عندما بلغت الـ36 وفيما كنت أعتقد أن العمر لم يترك أثره عليّ وأني أبدو شابة بكل ما للكلمة من معنى أصابني اليأس عندما صارحني أحدهم بعد أن أفصحت له عن عمري قائلاً: «حقاً؟ تبدين أكبر سناً بكثير!» وعندما بلغت الـ42 استعدت شبابي وحيويتي حتى بات يخيّل لي أني لم أتجاوز الـ25 . لطالما كانت ثقتي بنفسي كبيرة لكن سرعان ما قفزت إلى ال65 بعد بضع سنوات. اما أبي الذي يتمتع بصحة جيدة فيؤكد من دون مزاح أنه في الـ56 من عمره فيما يناهز الـ78 من العمر، وأعتقد أنا أنه قريب من الثلاثينات في الرؤية التي يكوّنها للعالم والاهتمامات التي يركّز عليها. النتيجة هي أن والدي أصغر مني سناً، إذ غالباً ما يكون الفرق شاسعاً بين العمر الوارد في السجل الشخصي وذلك الذي نقدّره لأنفسنا. لا يثير هذا الأمر استغراب بعض المحللين النفسيين المؤمنين بعقيدة فرويد التي تقول إن اللاوعي لا يدرك مرور الأيام وهو بخروجه عن نطاق الزمن يزرع فينا الخوف من الأحداث التي تعرضنا لها خلال الطفولة، فننظر إليها بريبة وتبقى عالقة في ذهننا وكأنها حديثة العهد. يقول علماء النفس إن العقد التي طبعت طفولتنا والرغبات التي انتابتنا لا تختفي في حينها بل تعاود الظهور لاحقاً ممّا يحتّم على كل راشد عدم تجاهل مرحلة الطفولة التي تشكّل الحجر الأساس في حياته فيصغي إلى صوت هذا الطفل العنيد والطائش الذي ما زال قابعاً في نفسه والذي كان يمضي وقته في اللعب واللهو. لا شك في أن زيارة الطبيب النفسي تساعدنا على إدراك التخيلات التي تراودنا وتمنحنا شعوراً بالخلود وأن التقدم في العمر والاقتراب من الموت هما من الحقائق الواضحة، غير أنه في أعماق الإنسان جانب يرفض الاعتراف بأن الموت سيوافيه لا محال.يصعب الاعتراف بالتقدّم بالعمرأجرى اختصاصيون نفسيون مقابلات مع أشخاص متقدمين في السن فذهلوا للنتيجة التي خرجوا بها. ما أثار استغرابهم في الواقع هو أن هؤلاء الأشخاص يخالون أنفسهم أصغر ممّا هم عليه حتى إن بعضهم بدا متناسياً سنه الحقيقية لا سيما من تجاوز ال85 من العمر. من هنا تم استحداث مفهوم «العمر الذاتي أو الوهمي» الذي يأخذ بعين الاعتبار أربعة أبعاد هي: الإحساس الداخلي والمظهر الخارجي ومدار الاهتمام والنشاط. بذلك أصبح من الممكن احتساب العمرالذاتي. في الواقع يلاحظ لدى المراهقين ميل إلى زيادة عمرهم والتظاهر بالكبر بغية نيل المزيد من الاستقلالية والحرية والمعاملة بجدية أكبر. أما لدى فئة الراشدين من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين الـ22 والـ34 عاماً فالفرق بسيط جداً بين العمر الفعلي والذاتي وهو لا يتجاوز السنة أو السنتين في أغلب الأحيان، لكن الهوة تبدأ بالاتساع ابتداءً من الـ35 حين يميل الإنسان إلى إنقاص سنيّ عمره، وكلما تقدم في العمر زادت رغبتة في العودة بالسنين إلى الوراء ويستمر هذا الميل في التطور حتى يصبح الفرق بين 10 و15 سنة بعد الأربعين وحوالي 20 بعد الـ60 .ما يدعو إلى الاستغراب أن بعض أبناء الستين يجرأون على إنقاص عمرهم أكثر من 30 عاماً لا سيما الديناميكيين منهم والذين يملكون روح الفكاهة وهو أمر مذهل، إذ يخالون أنفسهم في الـ35 من العمر فيما تجاوزوا الـ65. يمثل هذا الفرق، في نظر علماء النفس، وسيلة قياس يلجأ إليها المرء ليحمي نفسه من تفاهة الحياة. فكلما تقدم في العمر مرّ الوقت بسرعة أكبر لدرجة أنه يصبح عاجزاً عن تحديده. تشكل السنة دهراً بالنسبة إلى الأولاد على سبيل المثال أما بالنسبة إلى الكبار فالعقد من الزمن يمر بلمح البصر.علاج ضد الشيخوخةبحث العلماء النفسيون في العناصر التي تحدد عمرنا الذاتي وثؤثر فيه أيجاباً أو سلباً. الحب على سبيل المثال هو أفضل علاج للشيخوخة الداخلية، يليه الاعتداد بالنفس الذي يكتسب أهمية قصوى في هذا المجال. كلما كانت عزة النفس قوية تراجع العمر الذاتي عن العمر الفعلي. تتدخل في هذا المجال أيضاً عوامل مثل الوضع الاجتماعي والاقتصادي والانخراط في المجتمع بشكل خاص، كلما كان يملك الإنسان الوسائل التي تخوّله الاستمتاع والمرح أحاطه الرفاق وكلما زاد انخراطه في المجتمع أحس أنه أكثر شباباً. لا ننسَ الصحة بالتأكيد. فالانهيار النفسي والمرض والإعاقة تزيد سنوات العمر الذاتي تلقائياً وينصح في هذا المجال بتفادي الشك الوجودي وأزمات الهوية التي تزرع القلق في النفس وتساهم في تسريع الشيخوخة. لا شك في أن أيّ فرد من المجتمع يستطيع إكمال حياته بسلام وطمأنينة ما لم يطرأ عليه مرض خطير أو يتعرض إلى صدمات عاطفية ويتكبد خسائر جمة، بينما تضاف على العمر عشر اعوام في بضع ساعات على أثر خسارة الشريك أو التعرض إلى الصرف من العمل في نهاية الحياة المهنية.شيخوخة بعد مواجهة المحنتصيب الشيخوخة الذاتية الإنسان، في صورة عامة، في مراحل معينة من حياته وهي لا تأتي دفعة واحدة بل تقتحمه في شكل متقطع عندما يغادر الأولاد منزل الوالدين وعند حلول سن اليأس وبعد ولادة الأحفاد. تكون ردة الفعل على هذه الأحداث متباينة بين شخص وآخر ولا تكون بالقوة نفسها. فالأشخاص الذين يفكرون دائماً في المستقبل وينظرون إلى الحياة نظرة تفاؤل تمر عليهم المحن مرور الكرام ولا تترك أيّ أثر في نفوسهم ولا يفقدون روح الشباب من جرّائها، بذلك نصل إلى الحقيقة التي تؤكد أن العقل هو الذي يتحكم بالسن. غير أن أعياد ميلادنا تحل كل عام لتذكرنا بأن الزمن ليس مجرد وهم. خيالنا الواسع ومواردنا الداخلية لا تكفي لإخفاء عمرنا الفعلي ولعل المسنين الذين أصابهم الخرف لا يدركون هذا الأمر أما سليمو العقل فتظهر حقيقة سنهم ساطعة كنور الشمس أمامهم ولا يخدعون أنفسهم في هذا المجال. في خضم هذه المتاهات يبقى الإنسان في حيرة من أمره ويتساءل عن الحل الأنسب بالنسبة إليه وعن الصوت الذي يجب أن يصغي إليه: هل هو صوت الروزنامة الذي لا يخطئ أو صوت الطفل الذي ما زال قابعاً في أعماقه ويمنحه شعوراً بأن حياته لن ننتهي أبداً؟احتسبي عمرك الذاتي• في قرارة نفسي أشعر بأن عمري ... عاماً.• على صعيد المظهر الخارجي، أمنح نفسي ... عاماً.• بصورة عامة أتصرف وكأن عمري ... عاماً. للحصول على عمرك الذاتي إجمعي النتائج ثم إقسمي المجموع على أربعة.شهاداتزينة (58 عاماً، موظفة) العمر الذاتي: 39 عاما من هذه المرأة التي تبدو في المرآة؟ لم أكن أتوقع أن تكون الصورة المعكوسة هي صورتي بالذات إذ من المستحيل أن أكون قد تحولت بين ليلة وضحاها إلى هذه المرأة الناضجة ولا شك في أن هذه المواجهة القاسية كان لها وقع الصاعقة عليّ. كنت أعتقد أنني مختلفة لكن نظرة الآخرين إليّ تذكّرني دوماً بعمري الصحيح لاسيما الشباب الذين يفسحون لي الطريق ولهجة الاحترام التي تكلّمني بها البائعات. غالباً ما أخال نفسي مراهقة غير آبهة بالآثار التي خلفتها الأعوام وراءها والتحولات التي أحدثتها. عندما أتحدث إلى شخص في الستين أو السبعين من العمر أخال نفسي طفلة صغيرة. طالما حاولت كبت رغبتي في ارتداء الجينز أو الملابس الخاصة بالمراهقين وأشعر بالضياع التام في بعض الأحيان في ما يخص الملابس التي تليق بي. يراودني شعور بأن الآفاق ما زالت واسعة أمامي وأن أذواقي و تطلعاتي قابلة للتطور بصورة دائمة وجذرية. عندما أسمع أبناء جيلي يصرّحون بلهجة قاطعة أن التغيرات تتوقف لدى الإنسان الذي يبلغ سني لا أوافقهم الرأي أبداً. ستلازمني الرغبة في التطور حتى آخر يوم من حياتي.منى (30 عاما، رسامة): العمر الذاتي 28 عاماً عندما كنت في الرابعة من عمري كنت أرفض أن يهيئ لي والدي الفطور. كنت أستيقظ عند الفجر لتولي الأمر بنفسي اعتقاداً مني أني راشدة بما فيه الكفاية ويمكنني القيام بهذا العمل وحدي. بالتالي كنت أضع نفسي في خانة الكبار أيام الطفولة مفضلة مرافقة الراشدين على الأولاد الذين كانوا يرعبونني ونادراً ما كنت أشعر بالراحة مع أبناء جيلي، فرفاق الطفولة كانوا أكبر مني سناً في معظمهم. الآن وقد تزوجت لا أشعر بفرق شاسع بيني و بين زوجي الذي يبلغ 44 عاماً. الحقيقة أني كنت أشعر بالأمان والطمأنينة مع رفاقي الذين كانوا يكبرونني سناً جميعهم لا سيما أني كنت خجولة جدا.ً بقيت مسرورة بتقدمي في السن حتى بلغت ال21، عندئذ انقلبت الآية فأخذ ينتابني الخوف والانهيار مع اقتراب كل عيد مولد، أما الآن وقد بلغت الثلاثين وهي سن كنت أعتقد أني بعيدة كل البعد عنها أعتقد أني لن أتقبلها إلا بعد حوالي عشر سنوات عندما سينظر إليّ الناس ويمنحونني عمر الثلاثين، علماً أني أكون قد تخطيته بأشواط. اليوم أدرك في قرارة نفسي أني سأتقدم في السن ويصيبني الضعف والوهن وأتعرض إلى مشاكل صحية ولا أخفي أن الاستقرار الذي حققته على الصعيد المهني هو الذي أوصلني إلى هذه الحالة. قد يخيّل إلى البعض أنه مؤشر نضوج ولكنه بداية النهاية بالنسبة إليّ.مريم، (42 عاماً، أستاذة في اللغة الإنكليزية): العمر الذاتي 31عاماً أجل إنها الحقيقة الساطعة. فأنا أنتمي إلى فئة الأشخاص الذين يخالون أنفسهم أصغر مما هم عليه بعشر سنوات على الأقل. هذا الشعور يطمئنني، فأنا لست متخلّفة عقلياً لكني أعتقد أني أبدو أصغر سناً في مظهري الخارجي وملابسي وفي حياتي العاطفية أيضاً. أنا ما زلت عازبة ولا أحب الارتباط ولكن الناحية الوحيدة التي تذكرني بمرور السنين هي المهنية حيث ينتابني شعور قديم العهد بأني نضجت قبل الأوان، فقد تلقيت تربية صارمة وشعرت بالاستقلالية باكراً وبدأت أعدّ سريري بنفسي وأذهب بمفردي إلى المدرسة سيراً على القدمين منذ سن السابعة، كما كنت أتناول العشاء وحدي أحياناً وبالتالي كنت أشعر أني أشدّ نضوجاً من رفاقي مع أني كنت وحيدة . كذلك، دخلت ميدان العمل في سن مبكرة وكسبت رزقي بعرق جبيني، إلا أنني بدأت أشعر بثقل السنين عليّ عندما بلغت الثلاثين فأيقنت أن جسدي في حاجة إلى العناية وأن عليّ التخفيف من بذل الجهود لأني غير خالدة وكأني عشت وسافرت وأحببت وعملت حتى هذا التاريخ من دون التفكير بكل ذلك، فشعرت بالانهيار. منذ سن ال35 أقول في نفسي إني في ال40 مما هيأني نفسياً إلى مواجهة هذه المرحلة فاجتزتها بهدوء ولكني أنوي عدم تخطي الأربعين خلال السنوات المقبلة.
توابل - علاقات
ما العمر الذي تقدّرينه لنفسك؟
29-11-2007