للتضخم النقدي (أي ارتفاع أسعار السلع والخدمات) في الكويت عدة مصادر، بعضها ذو منشأ خارجي أي تضخم مستورد وبعضها الآخر ذو منشأ محلي. والجانب المستورد من التضخم ناتج عن الارتفاع القياسي الذي شهده سعر النفط الخام وأسعار العديد من الموارد المعدنية والغذائية في السنوات الثماني الأخيرة، التي اتسمت بمعدلات نمو عالية نسبيا سواء في اقتصادات الدول الصناعية أو الدول النامية.

Ad

ومن الثابت إحصائيا أن هناك علاقة وثيقة بين أسعار النفط الخام ومعدلات التضخم النقدي، وكذلك بين أسعار الموارد المعدنية والغذائية، وأسعار السلع الاستهلاكية. وعلى سبيل المثال، في الفترة ما بين عامي 1973 و1980 وهي الفترة التي شهدت زيادة أسعار النفط بنحو 5 أضعاف، ارتفع الرقم القياسي لأسعار المستهلك أكثر من الضعفين. ورغم ضعف العلاقة بين هذين المتغيرين في السنوات الأخيرة، فإن الارتباط الموجب بينهما مازال قويا وواضحا، فالزيادة التي حققها سعر النفط في السنوات الأخيرة والتي تجاوزت الثلاثة أضعاف، قد ترافقت مع زيادات في الرقم القياسي لأسعار المستهلك تراوحت بين 30% و50% في مجموعة الدول الصناعية. ولسنا بحاجة إلى تأكيد مثل هذه العلاقة، لأننا نعرف أن النفط هو المصدر الرئيسي للطاقة في العالم والمصدر الرئيسي للوقود في قطاع النقل والمواصلات، ومن ثم تؤدي الزيادة في أسعاره إلى زيادة تكاليف إنتاج ونقل السلع والخدمات.

ودولة مثل الكويت أكثر عرضة لهذا الجانب المستورد من التضخم، لأنها تعتمد اعتمادا شبه كلي على وارداتها السلعية من الأسواق الخارجية في سد حاجتها إلى مختلف أنواع السلع الاستهلاكية والمعمرة والسلع الاستثمارية. كما أن ربط العملة الوطنية بعملة ذات سعر صرف متدهور مثل الدولار الأميركي في الفترة الزمنية منذ عام 2003 حتى شهر مايو من عام 2007 قد تسبب في ضعف قيمة الدينار الكويتي في مواجهة عملات شركاء الكويت في التجارة الدولية في أوربا وآسيا وبلدان أخرى، وقد ضاعف ذلك الآثارَ التضخمية القادمة مع السلع والخدمات المستوردة من تلك الدول.

وهناك أسباب محلية أخرى للتضخم، منها فائض عرض النقود الذي ينتج عن زيادة العوائد المحققة من صادرات النفط في ظل الأسعار المرتفعة لهذه السلعة، وهو فائض ذو أثر تضخمي حاد إذا لم يحسن استغلاله من خلال قنوات مدروسة، وضمن سياسات مالية ونقدية تحد من الآثار التضخمية للإنفاق العام.

ويمثل الإنفاق الاستهلاكي، فضلا عن الزيادة المتواصلة في بند الرواتب والأجور والمزايا الملحقة بها، عاملا إضافيا يضاعف مشكلة الزيادة في الأسعار. ويساعد هذا العامل على تعزيز الجانب المحلي من التضخم، وتتركز انعكاساته المباشرة في زيادة أسعار السلع الاستهلاكية المباشرة ومنها المنتجات الغذائية والملبوسات وسلع الاستهلاك المنزلي الأخرى. ومما يساعد على ذلك غياب أو ضعف الرقابة على معدلات أسعار السلع الاستهلاكية في السوق المحلي، وعدم وجود جهاز فني متمكن وقادر على متابعة التغيرات المتواصلة في أسعار السلع والخدمات وتقصي أسبابها بهدف الفصل بين الأسباب الحقيقية و الأسباب الوهمية المصطنعة. كذلك عدم تفعيل النظم والقيود المتعلقة بعقود الإيجارات، إذ يلجأ عدد من الملاك في ظروف التضخم النقدي إلى تعديل إيجارات المكاتب والمتاجر ومحلات التجزئة خلال فترات زمنية قصيرة، مما يضطر المستثمرين لهذه المواقع إلى زيادة أسعار سلعهم وخدماتهم بالتتابع للتمكن من الوفاء بمتطلبات الزيادات المتكررة في هذه الإيجارات. ورغم أن السلطة النقدية ممثلة بالبنك المركزي قد اتخذت في الأشهر الماضية حزمة من الإجراءات الهادفة إلى تقييد عرض النقد في البلاد، فإن استمرار منافذ «بعضها غير قانوني» في توفير السيولة النقدية، وغياب الرقابة على الأسعار، قد أضاف المزيد من الزيت إلى نار الأسعار. ولحديث التضخم بقية.